اللغة.
وقوله: (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: عذابهن على اللَّه يسيرًا هينا لا يثقل عليه ولا يشتد لمكان رسول اللَّه؛ بل على اللَّه يسير هين.
والثاني: أن إتيانكن الفاحشة ومعصيتكن على اللَّه يسير، أي: لا يلحقه ضرر ولا تبعة، ليس كمعصية خواص الملك له في الدنيا: يلحقه الضرر والذل إذا عصوه وأعرضوا عنه، فأمَّا اللَّه - سبحانه - عزيز بذاته غني لا يضره عصيان عبده؛ بل ضروا أنفسهم.
وقوله: (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (٣١) أي: من يطع منكن لله ورسوله، (وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ).
في الآية دلالة بيان فضيلة أزواج رسول اللَّه؛ لمكان رسول اللَّه وعظيم قدره، حيث خاطبهن من بين غيرهن من النساء كما خاطب مريم بقوله: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ).
ثم يحتج الشافعي بقوله: (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) لتأويله في قوله: الطلاق مرتان بقولة، يقول: قوله: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)، أي: تطليقتان في دفعة واحدة من غير إحداث التطليق والفعل فيما بينهما؛ ويستدل على ذلك بقوله: (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ)، أي: أجرين من غير إحداث فعل فيما بينهما ولكن بفعل واحد، وقوله: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ)، أي: أجرين.
لكن عندنا يجوز الإيتاء بمعنى الإيجاب، أي: يوجب لها الأجر مرتين؛ نحو قوله: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ)، أي: أوجب لهم ثواب الدنيا وثواب الآخرة؛ فعلى ذلك ما ذكر ونحوه كثير، واللَّه أعلم.
وقوله: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢)
قال بعض أهل الأدب: (أحد) أجيع في الكلام من (واحد)؛ لأنه يرجع إلى واحد وإلى جماعة، وقوله: (واحد) إنما يرجع إلى الفرد خاصة، وإنما يخاطب به الواحد.
وقوله: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ).
يحتمل قوله: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) اختيار الدنيا وزينتها، واتقيتن أيضًا نقض اختيار رسول الله والدار الآخرة.
وجائز أن يكون على الابتداء: إن اتقيتن مخالفة اللَّه ومخالفة رسوله.