بنت جحش، ويكون الوعيد الذي ذكر فيه في غيره: فيما فيه أمر من اللَّه أو حكم؛ نحو ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه صلى الفجر، فرأى رجلين جالسين، فقال لهما: " ما بالكما لم تصليا معنا؟ " فقالا: إنا قد صلينا في رحالنا، فقال: " إذا صليتما، ثم أتيتما المسجد، فصليا معهم؛ فتكون لكما سبحة "، وإنما قال: " فصليا معهم " لا في صلاة الفجر، ولكن في الصلوات التي يتطوع بعدها.
وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا): إن كان هذا في المؤمنين فيكون الضلال هو الخطأ؛ كأنه قال: فقد أخطأ خطأ بينا، ويجوز هذا في اللغة، نحو قول إخوة يوسف لأبيهم في تفضيله يوسف عليهم؛ حيث قالوا: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي: في خطأ بيِّنٍ؛ حيث يفضل من لا منفعة له منه على من له منه منفعة؛ فعلى ذلك هذا.
وإن كان في المنافقين فهم في ضلال بين، فالضلال من المؤمن لا يفهم منه ما يفهم من الكافر والمنافق؛ ألا ترى أن الظلم من المؤمن لا يفهم منه ما يفهم من المنافق أو الكافر؛ ألا ترى أن آدم وحواء لما ارتكبا وقربا تلك الشجرة قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا) لم يريدا ظلم كفر، وعلى ذلك قوله: (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، فعلى ذلك المفهوم من ضلال المؤمن غير المفهوم من ضلال المنافق والكافر، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧) قال أهل التأويل: أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالإعتاق؛ حيث أعتقه؛ لأنه ذكر أن زيدًا كان عربيّا من أهل الكتاب، أصابه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من سبي أهل الجاهلية، فأعتقه وتبنَّاه، فأنعم اللَّه عليه حيث أعطاه الإسلام، ووفقه الهدى، وأنعم عليه الرسول حيث أعتقه.
ويحتمل إنعام اللَّه عليه -أيضًا- في الإعتاق؛ حيث وفق رسوله للعتاق، أو في خلق فعل الإعتاق من رسوله وإجرائه إليه، وعلى قول المعتزلة: ليس لله على زيد ولا على جميع المسلمين في الإسلام إنعام ولا إفضال؛ لوجوه:
أحدها: أنهم يقولون: قد أعطى كل سبب ما يلزمهم الإسلام وهو القوة؛ فهم إنما