ثم يحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: التكوين: يكونه؛ فيكون مكونًا؛ كقوله: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
والثاني: على الإيجاب واللزوم، أي: ما يكون بأمر اللَّه يكون واجبًا لازمًا؛ إذا أراد به الإيجاب والإلزام، واللَّه أعلم.
وقوله: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (٣٨)
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: (فَرَضَ اللَّهُ)، أي: بين اللَّه؛ كقوله: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا)، أي: بيناها.
ويحتمل (فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ)، أي: أوجب اللَّه عليه، ويقال: فرض عليه، أي: حرم، وفرض له، أي: أحل له، وكذلك قوله: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ)، يحتمل هذا وجهين:
أي: بين لكم تحلة أيمانكم.
والثاني: أوجب عليكم تحلة أيمانك، واللَّه أعلم.
وقوله: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: هكذا كان سنة اللَّه فيمن كان قبله من الرسل - مثل داود وسليمان وهَؤُلَاءِ - كثرة النساء، ليس ذلك ببديع في رسول اللَّه مُحَمَّد. وفي كثرة نساء الرسل لهم آية عظيمة؛ لأنهم آثروا الفقر والضيق على السعة والغناء، وكفوا أنفسهم عن جميع لذاتها، وحملوا على أنفسهم الشدائد في العبادات والأمور العظام الثقيلة، وهذه الأشياء كلها أسباب قطع قضاء الشهوات في النساء والحاجة فيهن؛ فإذا لم تقطع تلك الأسباب عنهم؛ دل أنهم باللَّه قووا عليها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: سنة اللَّه في الذين قبل مُحَمَّد، يعني: داود النبي حين هوى المرأة التي فتن بها، فجمع اللَّه - تبارك وتعالى - بين داود وتلك المرأة؛ فكذلك يجمع بين محمد وبين امرأة زيد؛ إذ هويها كما فعل بداود، لكن هذا بعيد.
وقيل: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ): أنه لا يحرج على أحد فيما لم يحرم.
وجائز أن يكون (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) - في حل نكاح أزواج الأدعياء، كان يحل لهم ذلك؛ فعلى ذلك لرسول اللَّه، واللَّه أعلم.
وقوله (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا).