كقوله: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا).
ويحتمل: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) ضيفًا (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ): إلا أن تدعوا إلى طعام؛ لأن رسول اللَّه كان إذا هيئوا له شيئًا من الطعام دعا أصحابه؛ فيأكلونه، وكان لا يمسك ولا يدخر فضل الطعام لوقت آخر، فإذا نزل به ضيف، ولم يكن عنده ما يقدم إليه استحيا وشق عليه ذلك؛ فنهوا عن الدخول عليه والنزول به ضيفا؛ لما ذكرنا، وأمروا بالانتظار إلى أن يُدْعوا إلى الطعام؛ فعند ذلك يدخلون عليه ويضيفونه.
فإن كان الأول: ففيه الأمر بالحجاب والنهي عن الدخول بلا استئذان.
وإن كان الثاني: ففيه النهي عن النزول به ضيفا قبل أن يُدْعَوا؛ لما ذكرنا؛ ويكون الأمر بالحجاب في قوله: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذكر هذا؛ لأن أناسًا من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله وغداه، فإذا حضر ذلك دخلوا عليه بغير إذن؛ فجلسوا في بيته ينتظرون نضج الطعام وإدراكه " فنهوا عن ذلك، وكانوا إذا أكلوا وفرغوا منه، جلسوا في بيته، ويتحدثون، ويستأنسون؛ فنهوا عن ذلك، وأمروا بالانتشار والخروج من عنده وعند نسائه، ولم يكن يحتجبن قبل ذلك منهم؛ فشق ذلك على النبي، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون الأمر بالانتشار والخروج من عنده؛ لما كان لرسول اللَّه أمور وعبادات يحتاج إلى القيام بها: إما بينه وبين اللَّه، أو بينه وبين غيرهم من الناس، فكانوا يشغلونه عن ذلك؛ فنهوا عن ذلك لذلك.
أو لما ذكر بعض أهل التأويل من الحاجة له في أزواجه والخلوة بهن وقت القيلولة، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ).
الدخول عليه بغير إذن؛ أو الانتظار لنضج الطعام وإدراكه، أو الجلوس بعد فراغهم من الطعام والحديث، أو ما كان.
وقوله: (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).
ورسول اللَّه -أيضًا- كان لا يستحيي من الحق، لكنه يستحيي أن يقول لهم: " اخرجوا من منزلي ولا تدخلوا عليَّ "، ونحوه؛ لما يقبح ذلك في الخلق أن يقول الرجل لآخر: " لا تدخل منزلي " أو " اخرج من منزلي "؛ لما يرجع ذلك إلى دناءة الأخلاق والبخل، فلما