فَضلوا أَنفسهم على العالمين، لا هو، فكيف يَمُنُ عليهم بذلك؟! ولا قوة إلا باللَّه.
مع ما لا يخلو تفضيله إياهم على غيرهم من أَن يكون لهم الفضلُ في الدِّين أَولًا.
فإن لم يكن فليس ذلك بتفضيل.
وإن كان ثبث أَنْ ليس من الحق عليه التسويةُ بين الجميع في أسباب الدِّين.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا (٤٨)
الآيةُ - واللَّه أعلم - كأنها مؤخرة في المعنى وإن كانت في الذكر مقدمة؛ لأَنه قال: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ثم ذكر الأَفضال والمنَنَ فقال: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. . .) الآية، وقوله: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ)، وقوله: (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).
ذكَّرهم - عَزَّ وَجَلَّ - عظيم نعمه ومنَنِه عليهم؛ ليشكروا له، وليعرفوا أنها مِنَّةٌ، وأَنه فضلٌ مِنْهُ،
ثم حذَرهم - جل وعز - فقال: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا. . .) الآية؛ ليكونوا على حذر؛ لئلا يصيبهم ما أَصاب الأُمم السالفة من الهلاك وأَنواع العذاب بعد الأَمن، والتوسع عليهم، كقوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا) إلى قوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ. . .) الآية.
ثم في الآية دليل لقول أبي حنيفة وأصحابه: إن الولد يصير مشتومًا مقذوفًا بشتم والديه؛ لما عيرهم - جل وعز - بصنع آبائهم بقوله: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ)، وهم لم يتخذوا العجل، وإنما اتخذ ذلك آباؤهم.
وكذلك ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - صنعه ومننه عليهم، من نحو النجاة من الغرق، وإخراجهم من أَيدي العدو، وفَرق البحر بهم، وإهلاك العدو. وإنما كان ذلك لآبائهم دونهم، لكن ذكرهم - جل وعز - عظيم منته على آبائهم؛ ليشكروا له على ذلك، وكذلك عَيرهم بصنيع آبائهم من اتخاذ العجل، وإظهار الظلم؛ ليكونوا على حذر من ذلك، واللَّه أعلم.
وفي قوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أي: بما كان إنعامي عليهم باتباعهم الرسول موسى - عليه السلام - وطاعتهم له، فاتبِعوا اسم الرسول مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأَطيعوا له، ولا تتركوا اتباعه.
وقوله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا).
قيل: أي لا تُؤدي نفس عن نفس شيئا؛ كقوله: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥).