والطير والتسبيح معه، وإلانة الحديد له بلا نار ولا شيء؛ حتى اتخذ منه ما شاء أن يتخذ من الدروع وآلات الحروب، وقد أتى اللَّه داود من الفضل ما لو تكلفنا عدَّه وإحصاءه ما قدرنا عليه.
وقوله: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ).
قيل: سبحي معه.
وقوله: (وَالطَّيْرَ).
من نصب الطير جعلها مسخرة له؛ كأنه قال: سخرنا له الطير. ومن رفعها جعله على النداء: يا طير أوبي معه، أي: سبحي معه.
ثم اختلف في تسبيح الجبال والطير.
قَالَ بَعْضُهُمْ: تسبيح خلقة لا تسبيح قول ونطق؛ لما جعل في خلقة كل شيء الشهادة له بالوحدانية والألوهية، لكن ذكر هاهنا: أن سبحي معه، ولو كان تسبيح خلقة لم يكن لذكر التسبيح مع داود فائدة؛ لأن تسبيح الخلقة يكون كان معه داود أو لم يكن؛ ولكن جائز أن يجعل اللَّه - تعالى - في سرّية الجبال من التسبيح ما يفهم منها داود، ولم يفهم غيره؛ على ما ذكرنا في قول النملة لسائر النمل؛ حيث قال: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ. . .) الآية: جعل اللَّه - تعالى - في سرية النمل معنى ألقى ذلك في مسامع سليمان؛ ففهم منها ذلك، ولم يلق ذلك في مسامع غيره من الجنود؛ فعلى ذلك تسبيح الجبال والطير، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ).
جعل له آية لنبوته؛ لما ألان له الحديد بلا نار ولا سبب يلينه؛ حتى كان يعمل منه ما شاء، ولم يجعل في وسع أحد من الخلائق سواه استعمال الحديد إلا بالنار وأسباب أخر؛ ليكون له في ذلك آية.
وقوله: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)
كأنه قال: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)، وقلنا له: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: السابغات: هي الدروع.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي الواسعات.