لو نظروا علموا، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٩)
هذا القول منهم إنما يقولون على الاستهزاء والسخرية، ليس على الاسترشاد على أنه لا يكون ذلك، وأنه كذب؛ كقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا): أخبر أن أُولَئِكَ يستعجلون بها؛ لتركهم الإيمان بها استهزاء منه، والذين آمنوا خائفون منها؛ لإيمانهم بها أنها كائنة لا محالة، لكن اللَّه - سبحانه - لم يجبهم بما يجاب المستهزئ؛ ولكن أجابهم بما يجاب المسترشد؛ بلطفه وكرمه وجوده حيث قال: (قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)
أي: لكم ميعاد اليوم الذي وعدكم مُحَمَّد أنه كائن لا محالة، وهو يوم (لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ)، وهكذا الواجب على كل مسئول إذا كان سائله سؤال استهزاء أن يجيبه جواب ما يجاب المسترشد، لا ما يجاب المستهزئ، ولا يدع علمه وحكمته لسفه السفيه، ولا لهزأ الهازئ، ولكنه يحفظ حكمته وعلمه وعقله، ولا يشتغل بجواب مثله، وباللَّه العصمة.
وقوله: (لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ).
فإن كان على طلب التأخير وطلب التقديم، ففيه تعيير وتوبيخ لهم؛ كأنه يقول: ليس لكم من الخطر والقدر والمنزلة ما يؤخر لكم ما تستأخرون أو يقدم لكم ما تستقدمون.
وإن كان على تحقيق ترك التأخير وترك التقديم، كأنه يقول: ميعادكم يوم لا تملكون تأخيره إذا جاء، ولا تقديمه عن وقته ولا رفعه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) كأن هذا القول منهم - واللَّه أعلم - خرج عن مخاصمة وقعت بينهم وبين المؤمنين في شأن القرآن أو في شأن مُحَمَّد؛ فتحاكموا إلى أهل الكتاب على اتفاق منهم على ما في كتبهم، فلما خرج ذلك على موافقة قول المؤمنين، ومخالفة قول أُولَئِكَ - قالوا عند ذلك: (لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)، وإلا على الابتداء من غير تنازع وخصومة كان بينهم في ذلك غير مستقيم.
ويذكر بعض أهل التأويل - ابن عَبَّاسٍ وغيره -: أن رهطا بعثهم قريش إلى المدينة إلى رؤساء اليهود؛ يسألونهم عن مُحَمَّد وبعثه؛ فأخبروهم أنه كائن وأنه مبعوث، فلما رجعوا إليهم فأخبروهم أنهم قد عرفوه، وهو عندهم في التوراة والإنجيل - فعند ذلك قالوا ما قالوا ثم كأنه اشتد ذلك على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وثقل عليه؛ فقال له على التعزية والتصبير على