(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي).
وقوله: (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ).
يحتمل وجهين:
(اتَّخَذْتُمُ): أي عبدتم؛ فاستوجبوا ذلك التعبير واللائمة بعبادة العجل لا باتخاذه نفسه.
ويحتمل: اتخذتم العجل إلهًا؛ فاستوجبوا ذلك باتخاذهم إلهًا، كقوله: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ).
وهذا كان أقرب.
وقيل: اتخذتم، أي: صنعتم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ).
فيل في الظلم بوجوه:
قيل: إن كل فعل يستوجب به الفاعل عقوبة فهو ظلم.
وقيل: إن كل عمل لم يؤذن له فهو ظلم.
وهاهنا -حيث فعلوا ما لم يؤذن لهم- نسبهم إلى الظلم؛ لأنهم ظلموا أنفسهم.
وقيل: إن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه؛ فسموا بذلك لأنهم وضعوا الألوهية في غير موضعها، وهذا كأنه - واللَّه أعلم - أقرب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (٥٢) الآية.
يَنْقض على المعتزلة قولهم؛ لأَنهم يزعمون أن اللَّه إذا علم من أحدٍ أنه يؤمن به في آخر عمره -وإن طال- أَو يكون من نسله من يؤمن إلى آخر الأَبد، لم يكن له أن يُميته، ولا له أَن يقطع نسله.
فإذا كان على اللَّه أَن يبقيهم، ولا يقطع نسلهم، لم يكن للامتنان عليهم، ولا للإفضال وطلب الشكر منهم - معنى؛ إذ فَعَلَ - جل وعز - ما عليه أَن يفعل. وكل من فعل ما عليه أن يفعل لم يكن فعلُه فعل امتنان، ولا فعل إِفضال؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - مَنَّ عليهم بالعفو عنهم، حيث لم يستأصلهم، وتركهم حتى تناسلوا وتوالدوا، ثم وجه الإفضال والامتنان على هَؤُلَاءِ - وإن كان ذلك العفو لآبائهم؛ لأَنه لو أَهلك آباءَهم وقطع تناسلهم انقرضوا وَتَفَانَوا، ولم يتوالدوا؛ فالمنة عليهم حصلت؛ لذلك طلبهم بالشكر له، واللَّه أَعلم.