(وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ ... (٥٢)
وهو كقوله: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ. . .) الآية؛ وكقول فرعون حين أدركه الغرق: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)، ونحوه.
وقوله: (وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) أنهم سألوا الرجعة والرد أن ينالوه من مكان بعيد؛ قالوا: من الآخرة إلى الدنيا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: لا سبيل لهم إلى الإيمان في ذلك الوقت، وقد كفروا به من قبل في حال الدعة والرخاء فلم يؤمنوا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)، أي: من حيث لا ينال ولا يكون؛ فذلك البعيد؛ كقول اللَّه: (أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)، أي: من حيث لا يكون أبدًا ليس على إرادة حقيقة المكان.
وقتادة يقول: هو عند الموت وعند نزول العذاب بهم، ليس من أحد بلغ ذلك الوقت إلا وهو يؤمن ويتمنى الإيمان لكن لا ينفع، كقوله: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا. . .) الآية، على ما ذكر.
وقوله: (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٣) قَالَ بَعْضُهُمْ: معناه - واللَّه أعلم -: وذلك أنهم كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة، ويكفرون بالغيب، ويرجمون بالظن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ)، أي: يتكلمون بالإيمان من مكان تباعد عنهم، فلا يقبل منهم: وقد غاب عنهم الإيمان عند نزول العذاب، فلم يقدروا عليه، (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ... (٥٤) من قبول التوبة والإيمان عند نزول العذاب بهم، أو عند معاينتهم إياه، كما فعل بأشياعهم من قبل، يقول: كما عذب أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هَؤُلَاءِ؛ لأنهم كانوا في شك من العذاب أو البعث والقيامة مريب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) من أهل أو مال أو زهرة.