وقوله: (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
لمساوئهم من غير أن كان منهم ما يستوجبون المغفرة، شكور لحسناتهم حيث قبلها منهم وأعطاهم الثواب.
وقال أهل التأويل: غفور لذنوبهم، شكور يعطيهم الجزاء الجزيل بالعمل القليل.
وقوله: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ... (٣٥)
لما لا يتمنى التحول منها ولا الانتقال، لا يبغون حولا.
وقوله: (لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ).
ليس من صاحب نعمة في هذه الدنيا وإن عظمت إلا وهو يمل منها ويسأم، ويتمنى التحول منها والانتقال، وكذلك ليس من لذة وإن حلت في هذه الدنيا إلا وهي تعقب آفة وتعبًا، فأخبر أن نعيم الآخرة، ولذاتها مما لا يتمنى ولا يبتغى التحول منها، ولا لذتها تعقب آفة ولا تعبًا ولا إعياء.
وجائز أن يكون قوله: (لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) وذلك أن من حل بقرابته وبالمتصلين به شيء في هذه الدنيا من آفاتها يهتم لذلك ويتكلف دفع ذلك عنهم، فأخبر أنهم إذا حلوا في دار المقامة لا يهمهم شيء من ذلك، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ): شكر لهم ما كان منه إليهم، وغفر لهم ما كان منهم من ذنب، وفي حديث رفع إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) قال: " شكر اللَّه للمؤمن اليسير من الحسنات، وغفر لهم الذنوب العظام ".
والنصب: الأذى، ويقال: الفناء، واللغوب: التعب.
وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ... (٣٦) فيستريحوا من عذابها، (وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا).
وفي قوله: (وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) نقض قول الجهم وأبي هذيل المعتزلي:
أما قول الجهم؛ لأنه يقول: بانقطاع العذاب عن أهل النار، فأخبر أنه لا يخفف عنهم العذاب، فلو كان يحتمل الانقطاع يحتمل التخفيف، فإذا أخبر أنه لا يخفف عنهم دل أنه لا ينقطع، وكذلك قول مالك لهم: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)، لما طلبوا منه