له.
فيكون في ذلك القدر وفاء وتوبة لا حقيقة القتل، واللَّه أعلم.
والثاني: يجوز ذلك؛ لأَن عقوبات الدنيا وثوابها محنة، لجواز الامتحان بعد التوبة والرجوع إلى طاعة اللَّه؛ لأَنها دار محنة.
وأَما عقوبات الآخرة وثوابها فليستا بمحنة؛ لأَنها ليست بدار امتحان؛ لذلك: جاز التعذيب في الدنيا بعد التوبة، ولم يجز في الآخرة إذا مات على التوبة، واللَّه أعلم.
ثم قيل في قوله: (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، بوجوه:
قيل: أُمروا ببذل الأَنفس للقتل، والتسليم له؛ فصاروا كأن قد قتلوا أنفسهم.
ويجوز أن يكون الأَمر بقتل أَنفسهم أمرًا بمجاهدة الأَعداء، وإن كان فيها تلفهم على ما قال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .) الآية، مذكور ذلك في التوراة.
وكذا قوله: (لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ)، نهى عن القتل الذي فيه قتل أنفسهم.
وقد قيل في قوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، بمعنى: أي لا تقتلوا مَن تَقتلون، فكأنما قد قتلتم أنفسكم، وعلى هذا التأويل خَرج أَبو بكر قوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ). واللَّه الموفق.
وقيل: أمر بعضًا بقتل بعض، كقوله: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً)، أَي: يسلم بعضهم على بعض.
وقيل: أَمر كل من عبد العجل بقتل نفسه، واللَّه أعلم.
وقوله؛ (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ).
قيل: إن التوبة خير لكم عند خالقكم.
وقيل: قتلكم أنفسكم خير لكم من لزوم عبادة العجل.
ويحتمل: عبادة الرب - عَزَّ وَجَلَّ - خير لكم من عبادة العجل، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وقد ذكرنا المعنى في ذلك فيما تقدم.
وفي بذل أَنفسهم للقتل، والصبر عليه، وكف أَيديهم عن الدفع، والممارسةَ فيه وجهان: