وقرأ بعضهم: (عَزَزْنا) بالتخفيف، أي: غلبنا.
لكن ذكر أنهم قتلوا جميعًا وأهلكوا - أعني: الرسل - فكيف يكون الغالب مقتولا مهلكًا؟!
ويجوز أن يكون المقتول مقويا؛ دل أن قراءة من يقرأ بالتخفيف ضعيف والأول أقوى وأقرب، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)
وكذلك قول أهل مكة لرسول اللَّه: إنه ساحر وإنه مجنون وإنه مفتر مختلق، وقولهم: (وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ).
وقوله: (رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦)
لما أيسوا من إيمانهم وتصديقهم إياهم، فزعوا إلى اللَّه، وتضرعوا إليه.
أو أن يقولوا بأن اللَّه أعلم بما أطلعكم بأنا إليكم لمرسلون بالحجج والآيات.
وقوله: (وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧)
أي: ليس علينا من ترك إجابتكم لنا ورد الرسالة شيء، إنما ذلك عليكم.
وقوله: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨)
دل هذا القول منهم على أنه قد نزل شيء من العذاب والشدة حتى تشاءموا بهم ذلك ولم يزل عادة الكفرة التطير بالرسل عند نزول البلاء بهم؛ كقوله: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)، وقوله: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ. . .) الآية.
وقوله: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
يقول - واللَّه أعلم -: شؤمكم معكم حيثما كنتم ما دمتم على ما أنتم عليه من العناد والتكذيب، ويذكر أهل التأويل: أن القرية كانت أنطاكية وأن الذي بعث هَؤُلَاءِ الرسل إليهم عيسى - صلوات اللَّه عليهم أجمعين - ولكن لا نعلم ذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: تشاؤمكم معكم أين كنتم وحيثما كنتم، ما دمتم على ما أنتم عليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: طائركم معكم إذ ذكرتم فلم تقبلوا التذكير ونحوه.