وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا): جريانها في البحر الذي خلق اللَّه دون السماء بحر مكفوف حار، فيه تجري الشمس والقمر، والجوار الكنس.
ويحتمل قوله: (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَ) أي: تجري في مكان وتسير فيه، والله أعلم. .
وقوله: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
(الْعَزِيزِ): الذي لا يعجزه شيء، ويعز من أن يغلبه شيء، (الْعَلِيمِ): الذي يعز من أن يخفى عليه شيء.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (الْعَزِيزِ): الذي أظهر أثر الذل في غيره، لا ترى أحدًا إلا وأثر الذل والحاجة فيه ظاهرة.
وأما دلالة الرسالة: فإن أهل مكة لم يكونوا يعرفون التوحيد، وعرفهم وأتاهم بحججه وبراهينه؛ دل أنه باللَّه عرف ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩)
أي: قدرناه منازل يزيد ويستوي وينتقص، وكذلك جعل للشمس منازل أيضًا تزداد وتنتقص وتستوي، لكن جعل منازل القمر في تغييره في نفسه يتغير ويزداد ويستوي وينتقص، وأما الشمس فإنه جعل تغييرها في الزيادة والنقصان والاستواء في الأزمنة والأوقات، فأما في نفسها فليس فيها تغيير ولا نقصان ولا زيادة، فهو - واللَّه أعلم - لما ذكر أنه جعل القمر سببًا للوصول إلى معرفة الأوقات والحساب والحجج بقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، وعلى ذلك جعل طلوعه وغروبه مختلفًا في الليل والنهار، وفي كل وقت وكل ساعة، وأما الشمس فإنها في نفسها على حالة واحدة، لا زيادة فيها، ولا نقصان، ولا تغيير، إلا في الوقت الذي تنكسف، وكذلك طلوعها وغروبها في وقت واحد لا يختلف ولا يتغير إلا في أزمنتها وأوقاتها؛ فإنه يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، ويدخل في هذا هذا، ومن هذا في هذا، وأمّا الأيام فإنه لم يجعل فيها تغيير، فهو - واللَّه أعلم - لما لم يشتد على الناس حفظها ولا جعل سببا لتعريف الأوقات والحساب.
وقوله: (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).
قيل: إنه عود الكباسة القديم الذي قد أتى عليه حول، فاستقوس ودق، شبه القمر