دَاخِرُونَ)
قد ذكرنا: أنهم يقولون ذلك وما تقدم على العناد والتعنت وعلم منهم أنهم لا يؤمنون أبدًا وإن بين لهم جهة الإحياء والقدرة عليهم؛ لذلك اكتفى بقوله: (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) قد ذكرنا أنهم كانوا يقولون ذلك، ولم يذكر شيئًا من الحجاج سوى قوله: (نَعَمْ).
وقوله: (وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ).
أي: صاغرون ذليلون؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ... (١٩)
يحتمل قدر زجرة واحدة، يخبر عن سرعة قيامها ومرورها.
ويحتمل على حقيقة الزجرة، لكن يخبر عن خفة ذلك وهوانه عليه؛ كقوله: (كُن فَيَكُونُ)، من غير أن كان منه كاف ونون أو شيء من ذلك، لكنه أخف كلام على الألسن يؤدي به المعنى، ويفهم به المراد من ذلك؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) إخبارًا عن خفة ذلك عليه وهوانه، من غير أن جعل الزجرة سبب الإحياء أو سببًا من ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ).
يحتمل قوله: (يَنْظُرُونَ) إلى ماذا يؤمرون؟ وعن ماذا ينهون؟ لأن الذي أصابهم في
الآخرة إنما كان لتركهم الأمر في الدنيا، فإذا عاينوا ما كانوا يوعدون في الدنيا بتركهم الأمر عنه ينظرون إلى ماذا يؤمرون وينهون عنه؟ واللَّه أعلم.
أو ينظرون كالمتحيرين؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ويكذبونه، فإذا عاينوا تحيروا وتاهوا وضجروا، وهكذا الأمر المتعارف في الخلق أن من أنكر شيئًا أو كذبه، ثم أخبر به وأعلم حتى تيقن عنده ما أنكر تحير وضجر؛ فعلى ذلك هَؤُلَاءِ لما أنكروا في الدنيا وكذبوه ثم عاينوا ذلك وتيقنوا به - تحيروا وضجروا به، ينظرون نظر المتحير الضجر، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠)
هذا كلام يقال عند الوقوع في الهلاك.
وقوله: (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) أي: يوم الحساب ويوم الجزاء، وكذلك قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
ويحتمل: هذا يوم الذي ينفع كل من معه الدِّين دينه، والدِّين المطلق هو دين اللَّه، وكذلك السبيل المطلق هو سبيل اللَّه، أي: هذا يوم الدِّين الذي ينفع من كان معه دين اللَّه، وكذا السبيل المطلق هو سبيل اللَّه.