إِنَّهُ أَوَّابٌ)، أي: ذا القوة والجهد في العبادة لله والطاعة له فيهم، وإنزال كل منهم منزلة وتأليف قلوب بعضهم من بعض، وجمعهم على دين واحد، ومذهب واحد حتى لم يقع تنازع ولا خلاف في الدِّين، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك يخرج قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَصْلَ الْخِطَابِ)، أي: قطع الخصومات فيما بينهم على التأليف والتلطف وإيصال كل إلى حقه من غير أن يقع بينهم خشونة أو ضغينة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَصْلَ الْخِطَابِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: ما ذكرنا من القضاء بين الخصوم بالبينة على المدعي واليمين على المنكر، وليس في ذلك كثير منقبة ولا خصوصية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو " أما بعد " وهذا أيضًا ليس بشيء، والأصل فيه ما ذكرنا، والله أعلم.
والخطاب: هو الخصومة؛ قال أبو معاذ: الخطاب: كالجدال والخصام، تقول: خاطبته خطابًا ومخاطبة وجادلته جدالًا ومجادلة فكل " فاعل " له مصدران: فعال ومفاعلة.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الفصل: القضاء، والخطاب: الخصومة، تقول: خاطبت الرجل، أي خاصمته. والإشراق: هو طلوع الشمس ووقوعها في كل ناحية بنورها؛ كقوله - عز وجل -: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١)
قد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يخرج على الإيجاب، أو على التقرير والتنبيه.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) على وجهين:
أحدهما: أي: قد أتاك نبأ الخصم فتفكر فيه كيف ابتلاه اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وفتنه على ما ذكر؟!
والثاني: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) أتاك وأرسل إليك نبأه وخبره: أن كيف ابتلاه وفتنه؟! وعلى هذا يجوز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ)، أي: اذكر ما قربه هو، أو اذكر متقربه إياه، أو اذكر خصومة الخصمين إليه، أو