كان له من اللَّه؛ فعوتب لذلك؛ فعلى ذلك داود - عليه السلام - إنما فعل بلا إذن من الله عَزَّ وَجَلَّ، واللَّه أعلم.
ثم في بعث الملائكة إليه فيما ذكر وجوه من الحكمة وأنواع من الفائدة:
أحدها: جواز الحجاب والحرس له، حيث دخلوا عليه من غير الباب.
والثاني: رفع الحجاب عن الخصوم لا على وقت حاجة نفسه حيث دخلوا من غير الباب للخصومة بلا إذن منه.
والثالث: قدرة الملائكة على التصور بصورة البشر مع كون النفس الكثيفة موجودة معهم، وذلك يرد على الفلاسفة مذهبهم أن النفس الروحانية خلقت منتشرة متحركة في كل حال، لكن الجسد الذي جعل يمنعها عن ذلك، فإذا نام ذلك الجسد أو مات ذهبت تلك النفس حيث شاءت إلى حاجتها؛ ألا ترى أن الملائكة قد تسوروا عليه بصورة البشر، واختصموا إليه خصومة البشر؟! دل على أنه ليس على ما وصفوا هم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: صعدوا، وأصل التسور: هو الدخول من العلو والارتفاع وهو النزول من السور وهو الحائط المشرف المرتفع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَزِعَ مِنْهُمْ).
لما خاف دخول الوهن في ملكه؛ إذ دخلوا بلا إذن من غير الباب.
أو خاف؛ لما ظن أنهم لصوص مكابرون.
أو لما عرف أنهم ملائكة جاءوا بأمر عظيم ونحوه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُشْطِطْ).
أي: لا تجر.
وقوله: (أَكْفِلْنِيهَا (٢٣)
قَالَ بَعْضُهُمْ: أعطينيها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ يقال: أكفلته، أي: أعطيته؛ وهو قول أبي عَوْسَجَةَ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ضمها إليَّ، واجعلني كافلها؛ وهو قول الْقُتَبِيّ.
وقوله: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: غلبني في الخصومة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (٢٤)