الْأَبْصَارُ (٦٣) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا ... (٥٥) أي: هذا الذي ذكرنا ثواب المتقين وجزاء تقواهم.
ثم بين جزاء الطاغين، وهو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ).
أي: لبئس المرجع، ثم بَيَّن ما هو فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (٥٦) أي: بئسما مهدوا لأنفسهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) أي: هذا الذي ذكرنا جزاء الطاغين والطغيان يرجع إلى وجوه إلا أن أصله هو الذي لا يجتنب المهالك ولا يتقي، والمتقي هو الذي يتقي المهالك ويجتنبها حقيقة التقى والطغيان ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ).
كان الملاثكة تقول لهم إذا أدخلوا جهنم وألقوا فيها: (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)، والحميم: هو الشراب الذي قد انتهى حره غايته ونهايته، والغساق: اختلفوا فيه: قال بعضهم: هو ما يسيل من الصديد والقيح واللحم، جعل ذلك شرابهم في النار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الغساق: هو الزمهرير، والزمهرير: هو البرد الذي بلغ غايته ونهايته يحرق بشدة برده، كما يحرق الحميم الذي بلغ نهايته وشدة حره، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)
اتفق أهل التأويل - أو أكثرهم - على أن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) وهو العذاب كأنه يقول: وآخر من شكل ما ذكر من العذاب له.
ثم اختلفوا في ذلك العذاب الذي قالوا: (مِنْ شَكْلِهِ):
قال عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هو الزمهرير، وروي عن الحسن: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ): ألوان من العذاب، وقَالَ بَعْضُهُمْ: زوج من العذاب.
ويشبه أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) أي: قوم من شكل أُولَئِكَ الذين ذكرهم يقربون إلى أُولَئِكَ؛ فيجمعون في العذاب؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ).
أو أن يكون فوج آخر يدخلون من شكل الأولين، وهو ما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَذَا فَوْجٌ