عَلَا فِي الْأَرْضِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)
ظن إبليس - عليه لعنة اللَّه - أن النار لما كان من طبعها الارتفاع والعلو ومن طبع الطين التسفل والانحدار أن الذي طبعه الارتفاع والعلو خير من الذي طبعه التسفل والانحدار؛ لذلك قال - واللَّه أعلم -: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
أو لما رأى أن إصلاح الأشياء كلها ونضجها بالنار فقال هذا عند ذلك.
لكن لو نظر الملعون وحقق النظر، لعلم أن الطين خير من النار؛ لأنه من الأرض، والأرض كالأصل والأم لغيرها؛ لأن الأشياء يكون صلاحها ونضجها بالنار وأول بدئها من الأرض، كالابن من الأم الوالدة على ما ذكرنا، واللَّه الموفق.
ثم كفره بإبائه السجود له لما لم ير أمر اللَّه له بسجود من هو خير وأعلى لمن دونه حكمة وحقَّا، فكفر لما رأى أنه وضع الأمر في غير موضع الأمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧)
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اخرج من الجنة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اخرج من السماء إلى الأرض.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اخرج من الأرض إلى جزيرة البحر، واللَّه أعلم بذلك، وليس لنا أن نتكلف القطع على القول فيه: أن أمره بالخروج من كذا، وقد عرف اللعين أنه بماذا أمره بالخروج منها.
ثم ذكر مرة (فَاخْرُجْ مِنْهَا)، ومرة قال: (فَاهْبِطْ مِنْهَا)، ونحو ذلك من الألفاظ المختلفة؛ وكذلك ما ذكر مرة قال: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، وقال فيما وضع آخر: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)، وقال في موضع: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) و (تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ)، ونحو ذلك على الألفاظ المختلفة، فذلك كله يدل على أن ليس على الناس حفظ الألفاظ والحروف، وكذلك ما ذكر في القصص على اختلاف الألفاظ مكررة معادة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).
أي: لعين، كأنه قال: فإنك لعين على ألسن الناس، ليس يذكره أحد من أعدائه وأتباعه وأوليائه إلا وقد لعنه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨)
كانت اللعنة عليه إلى يوم الدِّين هي خذلانه وطرده عن رحمته ودينه؛ لما علم أنه لا