وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) دفع ما قالوا فيه وإحالة ذلك؛ لما أخبر أنه واحد في الذات، ولو كان كما ذكر هَؤُلَاءِ من الولد، لم يكن واحدًا في الذات؛ إذ كل محتمل الولد منه هو من شكل الولد، فإذا عرفهم أنه واحد في الذات لم يحتمل الولد وما ذكروا.
وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْقَهَّارُ) دلالة إحالة ذلك؛ لأنه أخبر أنه قهار، والولد في الشاهد إنما يتخذ لأحد وجوه:
إما لوحشة أصابته فيستأنس به.
وإمَّا لحاجة تمسه فيدفع بالولد ذلك.
وإمَّا لغلبة شهوة فيقضيها فيتولد من ذلك الولد.
وإمَّا لوراثة ملكه بعد موته، وهو دائم باق لا يزول ملكه أبدًا.
وإمَّا للاستعانة والنصرة على أعدائه.
لأحد هذه الوجوه التي ذكرنا يحتاج المرء إلى اتخاذ الولد، واللَّه قادر بذاته قاهر غني لا يحتمل ما ذكروا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)
يحتمل قوله: (بِالْحَقِّ)، أي: بالحق الذي لله عليهم، ولما لبعض على بعض من الحق.
أو أن يكون قوله: (بِالْحَقِّ) أي: للحق، وهو البعث ما لو لم يكن البعث، لكان خلقهما عبثًا باطلا على ما ذكر في آية أخرى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).
وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ)، أي: بالحكمة، وهو أن جعل في خلقة كل شيء أثر وحدانيته وألوهيته ما يعرف كل أنه فعله وإن لم يشاهد خلقه، وهو على ما يكون ذلك في فعل أحد من الخلائق أثر معرفة فاعله، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)، كما ذكر في آية أخرى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)، يذكر دلالة وحدانيته؛ حيث جعل منافع الليل متصلة بمنافع النهار، ومنافع النهار متصلة بمنافع الليل، على اختلافهما وتناقضهما وتضادهما؛ ليعلم أنهما فعل واحد، وكذلك ما جعل من منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما؛ ليعلم أن منشئهما واحد، إذ لو كان عددًا لامتنع ذلك؛ إذ العدد المعروف من عادة الملوك انفراد كل بملكه وسلطانه، والاستيلاء