أي: أوحينا إليهم، فكأنه يقول: واللَّه يوحي بالحق ويخبر به، والذين يدعون من دونه لا يملكون الوحي ولا الخبر، فكيف اخترتم عبادتهم على عبادة من يوحي بالحق ويخبر؟! واللَّه أعلم.
والثالث: القضاء هو الخلق والإنشاء؛ كقوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) أي: خلقهن، فيكون قوله على هذا (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ)، أي: يخلق بالحق، والذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئًا، وقد يعلمون استحقاق العبادة إنما يجوز بالخلق والإنشاء؛ وهو كقوله تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ)، (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ)، يقول: خلق من يدعون دونه كخلقه حتى تشابه ذلك عليهم فعبدوهم؛ إذ يعلمون أن من خلق ليس كمن لم يخلق، وقد تعلمون أنها لم تخلق شيئًا، فكيف عبدتموها؟! واللَّه أعلم.
ثم أقول: أصل التأويل (يَقْضِي بِالْحَقِّ) أي: يحكم بالحق في الدنيا بالآيات والحجج ما عرف كل أحد أنها حجج وآيات وبراهين، والحكم بما ذكرنا حكم بالحق، واللَّه أعلم.
والثاني: أي يحكم بالحق في الآخرة وهو الشفاعة، أي: لا يجعل الشفاعة لمن يعبدون على رجاء الشفاعة؛ كقولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ)، ولكن إنما يجعل لمن ارتضى؛ كقوله تعالى: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: السميع للمؤمن، أي: المجيب للمؤمن، والبصير لعقاب أُولَئِكَ.
وقيل: السميع لأقوالهم، البصير بأفعالهم.
وجائز أن يكون قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) صلة ما تقدم من قوله: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) يقول: السميع بما يكون منهم ظاهرا من قول أو فعل، والبصير بما أخفوا في قلوبهم وتكن صدورهم، يخبر بهذا؛ ليكونوا أبدًا مراقبين حافظين أنفسهم ما ظهر وما خفي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١).
هذا يخرج على وجهين: