والثاني: أي: أنكروا رسالته في حال حياته ولم يؤمنوا به، فإذا هلك أنكروا أن يكون هو مبعوثًا إليهم رسولا، فيحذر هَؤُلَاءِ صنيع أُولَئِكَ ألا يكونوا كأُولَئِكَ آمنوا به وأنكروا رسالة غيره من الرسل بعده.
أو يقول: لا تكونوا كأُولَئِكَ يكذبونه ما دام حيًّا، فإذا هلك يكذبون رسالته، يحذرهم سفه أوائلهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥).
أي: يجادلون في دفع آيات اللَّه وردها بغير حجة وسلطان أتاهم من اللَّه، أو بغير حجة مكن لهم الاحتجاج بها، وإلا كان أهل الإيمان قد يجادلون فيها حتى إذا ظنوا أنها آيات اللَّه آمنوا بها وأقروا بها، لكن الوجه فيه ما ذكرنا، أي: جادلوا في دفع آيات اللَّه وردها بغير حجة أتتهم؛ كقوله: (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)، واللَّه أعلم.
وقوله: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا).
هكذا الواجب على أهل الإيمان أن يمقتوا من الأعمال ما مقتها اللَّه تعالى، أو يمقتوا من مقته اللَّه من أعدائه؛ وعلى ذلك ذكر: إن خير أعمالكم حُب ما أحبه اللَّه وبُغْضُ ما أبغضه اللَّه أو كلام نحوه، وشر أعمالكم حب ما أبغضه وبغض ما أحبه اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
أي: هكذا يطبع اللَّه على كل قلب من جادل في دفع آيات اللَّه وردها بغير حجة، أي: يطبع على كل من تعود التكبر والتجبر عليس الآيات والرسل، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى. . .) من هو كذا، وكذلك يضلل، ونحوه كله حروف الاعتلال، بين اللَّه تعالى العلل التي لها لا يهديهم ويضلهم؛ وكذلك في قوله: (لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) ومسرف مرتاب ونحوه، أي: لا يهدي من كان طبعه وعادته الإسراف والكذب وكفران النعم ودفع الآيات والحجج بلا حجة وبرهان، فأمّا من كان طبعه وعادته غير هذا لكنْ لجِهْل جَهِلَ ذلك، أو لما يتحقق عنده لظنه وقلة التأمل، أو لاشتغاله بأمور الدنيا، أو لمعنى من المعاني يجوز أن يهديه اللَّه تعالى ويرشده، على هذا يخرج هذه الآيات، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك ما كان يصنعه فرعون اللعين من التمويهات والتلبيسات على أتباعه في