وجائز أن يكون كل حرف من هذه الحروف المقطعة عبارة عن صفة من صفاته أو اسم من أسمائه، على عادة العرب بالاكتفاء عن حرفٍ عبارة عن جميع الكلمة: فالحاء عبارة عن حلمه وحكمته وحكمه، والميم عبارة عن ملكه ومجده، والعين عبارة عن علمه، والسين عبارة عن سنائه وسؤدده، والقاف عبارة عن قدرته وقوته يكون كل حرف من هذه الحروف عبارة عن اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، وعبارة عن حكم من أحكامه، وهذا الذي ذكرنا كله على الإمكان والاحتمال لا يسع أن يحقق فيه التفسير أنه كذا، وأنه أراد كذا؛ لأنه من المتشابه، وأنه من السر الذي لم يطلع اللَّه - تعالى - عليه أحدًا إلا رسله، عليهم الصلاة والسلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) أي: كما أوحى إليك فقد أوحى إلى الذين من قبلك مثله.
ثم اختلف في قوله: (كَذَلِكَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: كما أوحينا إليك بسورة (حم. عسق) أوحينا بها إلى الذين من قبلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: كما أوحينا إليك بهذه الحروف، يعني: (حم. عسق) بعينها فقد أوحينا بعين هذه الحروف إلى الذين من قبلك، وهي (حم. عسق).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كما أوحينا إليك (حم. عسق) أوحينا إلى الذين من قبلك من الرسل بمعنى ذلك.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ليس نبي إلا وقد أوحي إليه بـ (حم. عسق) كما أوحي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو على ما ذكرنا.
وقوله: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)
يخرج ذكر هذا في هذا الموضع على وجوه:
أي: له ما في السماوات وما في الأرض شهود على ألوهيته ووحدانيته.
والثاني: أن ما في السماوات والأرض وما فيها له دلالات وحدانيته وربوبيته.
والثالث: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، أي: كلهم عبيده وملكه؛ فلا يحتمل أن يتخذ من ملكه وعبيده ما ذكروا من: الولد، والشريك، والصاحبة، وما قالوا؛ إذ لا أحد يتخذ من عبيده ومن ملكه ما ذكروا: من الولد، والشريك، والصاحبة؛ فعلى ذلك يتعالى اللَّه عن أن يكون له في ملكه ما ذكر، واللَّه أعلم.