تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ. . .) الآية، ونحو ذلك كثير؛ على هذا بني أمر الدنيا والآخرة، واللَّه أعلم.
ثم قوله - تعالى -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: من كان يريد حرث الآخرة، نزد له في حرثه، أي: من كان يريد بمحاسنه في الدنيا وخيراته ثواب الآخرة وخيراتها نزد له في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا هو التوفيق على الطاعات، والزيادة له والنماء، وأما في الآخرة فالنعيم الدائم والسرور الدائم.
والثاني: أي: من كان عَمِل للآخرة وسعي لها نزد له ما ذكر من المحاسن، وتكون الإرادة هاهنا صفة لكل فاعل، كقوله: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وهي لا تكون بدون الفعل، فكان ذكرها ذكرًا للفعل ضرورة؛ فكان المراد منها الإرادة مع الفعل، فكذلك يخرج قوله: (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) على وجهين:
أحدهما: من كان يريد محاسن الدنيا وسعتها، نؤته منها، ونوسع عليه.
والثاني: (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ) أي: من عمل للدنيا وسعى لها، نؤته منها وما عمل لها وما له في الآخرة من نصيب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢١) قال بعض أهل التأويل: أم لهم آلهة دوني (شَرَعُوا لَهُم) أي: سنوا لهم (مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، يعني بالشركاء: الأصنام التي عبدوها، لكن علموا أن الأصنام لم يشرعوا لهم من الدِّين شيئًا، إلا أن يقال بأنه أضاف ذلك إلى الأصنام؛ لما هم شرعوا لأنفسهم عبادتها فأضيف إليها لذلك، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)، وأنهن لم يضللن أحدًا، لكنه أضاف إليهن الإضلال؛ لما بهن ضلوا، فأضاف إليهن على التسبب؛ فعلى ذلك الأول يحتمل ذلك.
ويشبه أن يكون غيره أولى بذلك، وهو أن القادة والرؤساء هم الذين سنوا للأتباع و (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)؛ أي: ما لم يأمر به اللَّه، وهم كذلك كانوا يفعلون، يشرعون للأتباع دينا من ذات أنفسهم بلا حجة ولا برهان، فيتبعون به، والرسل - عليهم السلام - قد أتوهم بالدِّين بالحجج والبراهين من اللَّه - تعالى - فلم يتبعوهم، فيقولون: إنهم بشر، ثم يتبعون بشرًا بلا حجة ولا برهان؛ يذكر سفههم فيما ذكر، فكان