أي: ذلك الإخراج محرم عليكم.
وقوله: (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ. . .).
الآيةُ -وإن كانت مؤخرة في الذكر- فهي مقدمة؛ كأَنه قال: لا تسفكون دماءَكم ولا تخرجون أَنفسكم، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ.
وقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
آمنوا بالمفَاداة من الأسارى، وكفروا بالإخراج وسفك الدماءِ.
ويحتمل: الإيمان ببعض ما في التوراة، وكفروا ببعضها، وهو نَعْت مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته؛ إذ لم يكن على موافقة مُرادهم.
ويحتمل: أَن فادوا أَسراهم من غيرهم، وسَبَوْا ذَرَاري غيرهم.
وقوله: (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ).
قيل: الخزي في الدنيا إِجلاءُ بني النضير من ديارهم، وإخراجهم إلى الشام.
وقيل: مقاتلةُ بني قريظةَ، وسبي ذراريهم، وذلك لحربٍ وقع بينهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). ولكن لا يعاقبون في الدنيا، بل يردون إلى أشد العذاب في الآخرة، وإن استوجبوا ذلك في الدنيا؛ كقوله: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ. . .) الآية.
وقوله: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
وعيد. قد ذكرنا ذلك فيما تقدم.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)
يحتمل: أنهم كانوا آمنوا بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل خروجه وبعثه، فلما بعث على خلاف مرادهم كفروا به، فذلك اشتراء الحياة الدنيا بالآخرة.
ويحتمل: ابتداء اختيار الضلال على الهدى، والحياة الدنيا على الآخرة، من غير أن آمنوا به، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ