محمدًا وعدنا بذلك؛ لما كان الزقوم هو الزبد والتمر والعسل بلغة قوم من العرب، فنزل عند ذلك قوله - تعالى -: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. . .) الآية، أخبر أنها شجرة أنشئت من النار، بقوله - تعالى -: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) الآية، ليست كسائر الأشجار، ثم شبهها بالمهل بقوله - تعالى -: (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) والمهل: دُرْدِيُّ الزيت.
ثم يحتمل تشبيهها بالمهل وجهين:
أحدهما: لالتصاقه بالبدن؛ لأنه قيل: إنه ألصق الأشياء بالبدن.
ويحتمل أن يشبهها بذلك؛ لكثرة ألوانها وتغيرها من حال إلى حال.
ثم الإشكال أنه ليس في أكل دُرْدِيُّ الزيت فضل شدة وكثير مؤنة، فما معنى التشبيه به؟ لكن نقول: إنّه بين أن ذلك المهل والدردي من النار؛ حيث قال: (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ).
ثم الإشكال أن شجرة الزقوم كيف تكون للأثيم؟ فيحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: أنه يخرج منها شيء ويسيل، فيسقى ذلك الكافر.
ويحتمل: أنه يأكلها كما هي، فتذوب في بطنه، فتغلي، فيكون ما ذكر.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رأى فضة قد أذيبت، فقال: هذا المهل، فجائز أن يكون على هذا كل شيء يذاب ويحرق فهو المهل، والحميم هو الشيء الحار الذي قد انتهى حره غايته واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ظاهر هذا أن يكون بعدما أدخلوا في النار، لكن يحتمل أيضًا أن يكون ذلك في أول ما يراد أن يدخلوا النار؛ كقوله: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)، فعلى ذلك (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ).
ثم قوله - تعالى -: (فَاعْتِلُوهُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ادفعوه (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) أي: إلى وسط الجحيم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاعْتِلُوهُ) أي: قودوه قودًا إلى (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) يقال: جيء بفلان يعتل إلى السلطان؛ أي: يجرُّ ويُقاد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو السوق الذي فيه شدة وتعنيف؛ أي: سوقوه سوقًا شديدًا عنيفًا.