لضعفه في نفسه، والذي ولد لتسعة أشهر فهو إلى الاغتذاء بالطعام أقرب منه، والذي ولد لسنتين هو أقرب إلى الاغتذاء بالطعام من المولود لتسعة أشهر؛ لقوته وقلة حاجته إلى الغذاء باللبن، فإذا كان قوله - تعالى -: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)، هو أقل رضاع يكون؛ لأنه ذكر للمولود لأقل الحمل؛ حيث قال: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) قال: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، فإذا كان أقل احتمل الزيادة التي ذكر أبو حنيفة - رحمه اللَّه - وهو ستة أشهر على السنتين، كما يصير رضاع أكثر الحمل ستة أشهر، واعتبر في الباب إلى قوة الولد، واحتمال الغذاء بالطعام، وعدم الاحتمال، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. . .) إلى آخر ما ذكر.
دلت هذه الآية على أن الآية التي ذكرنا نزلت في نازلة؛ حيث أخبر أنه إذا بلغ ذلك المبلغ قال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ. .) الآية.
ثم قوله - تعالى -: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) ذكر أوّل ما يشتد عقله، ويدخل في القوة إلى الوقت الذي يكون على الزيادة، فإذا جاوز ذلك الوقت يأخذ في الانتقاص، وهو أربعون سنة.
وقال أهل النأويل: بلوغ الأشد هو ثماني عشرة سنة إلى أربعين، وهو ما ذكرنا: أنه أول وقت دخوله في الزيادة والقوة إلى الوقت الذي إذا بلغ ذلك يأخذ في النقصان، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) دل قوله: (وَعَلَى وَالِدَيَّ) على أن على الرجل شكر ما أنعم على والديه وأحسن إليهما كما يلزمه شكر ما أنعم عليه؛ لما يكون بدء إسلام الأولاد الصغار بالوالدين وما لهما من النعم يصل نفعها إليهم - أيضًا - فيلزمهم شكر ما أنعم عليهم بالإيمان والنعم في وقته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) هذا على كل مسلم أن يدعو بمثل هذا الدعاء، يسأل ربه التوفيق على عمل صالح يرضاه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: أصلح لي ذريتي؛ على طرح حرف (فِي) منه؛ كقوله: (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)، واللَّه أعلم.
ثم قوله - تعالى -: (أَوْزِعْنِيَ): ألهمني.
وفيه دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنه سأل ربه أن يوزعه شكر ما أنعم عليه، ومن قولهم