أصبعين جمع بينهما، فإن كان التأويل هذا فهو على تحقيق مجيء أشراط الساعة؛ أي: قد جاءت أشراط الساعة حقيقة وتحققت.
والثاني: يحتمل أن يكون ما ذكر من مجيء أشراطها هي الأعلام والشرائط التي جعلت علمًا لقيامها؛ من نحو نزول عيسى، وخروج دابة الأرض، وخروج الدجال، وغير ذلك، فقد مضى بعض تلك الأعلام؛ فيكون قوله: (فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) أي: كأن قد جاء أشراطها؛ إذ كل ما هو آت جاءٍ؛ فكأنه قد جاء؛ كقوله - تعالى -: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ).
وقوله - عَزَّ وجل -: (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) يحتمل وجهين:
أحدهما: من أنى ينتفعون بإيمانهم في ذلك الوقت؟ وكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت، والتوبة لا تقبل حينئذ؟
والثاني: من أين لهم الإيمان والتوبة إذا جاءتهم الذكرى؛ أي: ما يذكرهم في الدنيا قبل ذلك فلم يؤمنوا، ولم يتذكروا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وجل -: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ... (١٩).
هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: اعلم في حادث الوقت أنه لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ كقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ)، ونحو ذلك.
والثاني: يقول: فاعلم أن الإله المستحق للعبادة والمعبود الحق هو الإله الذي لا إله غيره؛ إذ الإله عند العرب هو المعبود؛ يقول: إن المعبود الذي يستحق العبادة هو اللَّه - تعالى - لا الأصنام التي تعبدونها دونه وتزعمون أن عبادتكم إياها تقربكم إليه زلفى.
والثالث: أمره أن يشعر قلبه في كل وقت وحال كلمة الإخلاص، والتوحيد له، والقول به، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) جائز أن يكون قوله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) إنما هو لافتتاح الكلام وابتدائه، على ما يؤمر المرء أن يبتدئ بالدعاء لنفسه عند أمره بالدعاء لغيره، وكان حقيقة الأمر بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات دون نفسه، ولكن أمر بالدعاء لنفسه استحبابًا، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون له ذنب فيأمره بالاستغفار له، لكن نحن لا نعلم، وليس علينا أن نتكلف حفظ ذنوب الأنبياء - عليهم السلام - وذكرها، وكل موهوم منه الذنب يجوز أن