منهم من صرف الفتح القريب المذكور في الآية إلى فتح خيبر، وإِلَى مغانم خيبر حين بشروا بالحديبية بفتح خيبر، وجعل المغانم لهم مكان ما منعوا من دخول مكة وحيل بينهم وبين ما قصدوا، أو في الطريق بعد منصرفهم من الحديبية على ما ذكر في القصة، والله أعلم.
ومنهم من صرف الفتح إلى مكة؛ لأنه ذكر في القصة أنهم بشروا في الطريق بعد انصرافهم من الحديبية بفتح مكة، ويكون قوله: (وَأَثَابَهُمْ) على هذا التأويل بمعنى: ويثيبهم، وذلك جائز في اللغة: فعل بمعنى: يفعل، كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ. . .)، كذا، يعني: يقول له، وقوله - تعالى -: (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٩) على هذا ينصرف إلى غيره من المغانم؛ لأنه لم يكن بمكة غنائم، واللَّه أعلم.
ومنهم من قال: (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتوح كلها التي كانت لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولأمته، وكذلك قوله: (وَمَغَانِمَ).
وجائز أن يكون الكفرة جملة، أي: لو قاتلوكم لولوا الأدبار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ... (٢٣) ما سن في كل أمة من هلاك، لم يجعل ذلك الهلاك في غيرها من الأمم؛ نحو ما جعل هلاك قوم نوح الغرق، وكذلك قوم فرعون، وكذلك جعل هلاك عاد بريح صرصر، وثمود بالطاغية؛ جعل اللَّه - تعالى - هلاك كل أمة بنوع لم يجعل ذلك لغيرها؛ يقول: لم يكن لذلك تبديل إلى غيره.
وجائز أن يكون قوله: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) أي: جعل عاقبة الأمر للمؤمنين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) في أمتك، ولكن جعل عاقبة الأمر لهم كما جعل عاقبة الأمر في سائر الأمم للمؤمنين.
* * *
قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ