يكون الذي حملهم على ذلك هو نصرهم أُولَئِكَ الأصنام وعبادها، والذب عنهم حمية الجاهلية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٢٦) وجائز أن يكون ما ذكر من السكينة التي أخبر أنه أنزلها على رسوله ومن ذكر: هو شيء أنزله من السماء؛ لطفًا منه عليهم حتى سكنت لذلك قلوبهم.
وجائز أن يكون لا على حقيقة إنزال شيء من مكان إلى مكان، ولكن أنشأ في قلوبهم ما يسكن به قلوبهم؛ كقوله - تعالى -: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، أي: أنشأ لكم من الأنعام ما ذكر، وخلقها لهم، ليس أن أنزلها عليهم من مكان إلى مكان، ولكن على الإنشاء والخلق، فعلى ذلك الأول، واللَّه أعلم.
ثم السكينة تحتمل أسبابًا له بها تسكن قلوبهم وأنفسهم، والأسباب تختلف.
ويحتمل شيئًا آخر سوى ذلك، وهو اللطف الذي جعل لهم، فسكن قلوبهم بذلك اللطف، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا).
يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: ألزمهم كلمة بها يتقون النار.
ثم يحتمل (كَلِمَةَ التَّقْوَى): كلمة الإخلاص وغيرها وما يقيهم النار، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (وَأَلْزَمَهُمْ): إظهار كلمة التقوى حتى تصير ظاهرة في الخلق أبدًا إلى يوم القيامة، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (كَلِمَةَ التَّقْوَى) هي " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وذلك أنه لما كتب كتاب الصلح فيما بين أهل مكة وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كتب: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فقال ذلك: اكتب كذا، لا ندري ما الرحمن الرحيم. وذلك كلمة التقوى، واللَّه أعلم.
والوجه فيه ما ذكرنا.
وقوله: (وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) أي: بتلك الكلمة، وكانوا أهلا لها (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
وقال بعض أهل التأويل: (كَلِمَةَ التَّقْوَى) هي كلمة الإخلاص (وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا