وعلى ذلك يخرج ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " من تقرب إلى اللَّه شبرًا تقرب منه شبرين " على ما ذكرنا من قرب الطاعة له، وقرب الرب إليه: بالنصر والمعونة، لا قرب المكان، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَبْلِ الْوَرِيدِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: عرق العنق، والوريد: العنق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو عرق بين القلب والحلقوم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو عرق القلب معلق به، فإذا قطع ذلك العرق يموت الإنسان، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) أي: اذكر تلقي المتلقيين، أو احفظ تلقي المتلقيين، أو احذر تلقي المتلقيين، وهما الملكان المسلطان على أعمالك وأقوالك؛ إذ يتلقيان منك أعمالك وأقوالك، ويحفظان عليك، ويكتبان؛ يذكر هذا ويخبرهم أن عليهم حافظًا ورقيبًا، وإن كان هو - تعالى - حافظًا لجميع أفعالهم وأقوالهم، عالمًا بها فحفظ الملائكة وكتابتهم، وعدم ذلك بمنزلة واحدة في حق اللَّه - تعالى - لكن يخرج الأمر للملائكة بحفظ أعمالهم وكتابة ذلك على وجوه من الحكمة:
أحدها: ليكونوا على حذر أبدًا مما يقولون ويفعلون؛ على ما يكون في الشاهد من علم أن عليه حافظًا ورقيبًا في أمر يكون أبدًا على حذر وخوف من ذلك الأمر، وذلك أذكر له وأدعى إلى الانتهاء عن ذلك، فعلى ذلك إذا علم العبد أن عليه حفيظًا ويكتب ذلك عليه، وأنه يكلف تلاوة ذلك المكتوب بين يدي اللَّه - تعالى - فيستحي من ذلك أشد الاستحياء - يكون ذلك أزجر له، وأبلغ في المنع، وإلا كان إحصاء ذلك على اللَّه - تعالى - مع الكتاب وغير الكتاب سواء؛ إذ هو عالم بذاته، لا بالأسباب، وهو تأويل (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)، واللَّه أعلم.
والثاني: من الحكمة امتحان الملائكة بحفظ أعمال بني آدم وأقوالهم، وكتابة ذلك، فيمتحنهم بذلك وأمرهم به، ولله أن يمتحن الملائكة من شاء منهم بالتسبيح والتعظيم، ومن شاء منهم بالركوع، ومن شاء بالسجود، ومن شاء بحمل العرش والكرسي، ومن شاء بحفظ بني آدم، ومن شاء منهم بسوق السحاب وإنزال المطر، مما في ذلك منافع بني آدم، ويكون ذلك كله بحق العبادة؛ ليعلم أن من امتحن منهم بالركوع، والسجود،