أَلْسِنَتُهُمْ. . .) الآية.
وأصله ما ذكر في قوله: (وَسِيقَ الَّذِينَ كفَرُوا)، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا)، ذكر السوق في الفريقين، وذكر في الكفرة: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)، وقال - عَزَّ وَجَلَّ - (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ)، فالسائق: هو ملك يسوق إلى ما أمر من الجنة أو النار، والشهيد هم الملائكة الذين يكتبون علينا الأعمال، فيشهدون في الآخرة: إن كان شرًّا فشر، وإن كان خيرًا فخير، واللَّه أعلم بحقيقة ما أراد، وإن كان ما قالوا فمحتمل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢).
يقول: لقد كنت في الدنيا في غفلة من هذا تعاين وتشاهد.
أو في غفلة عما أوعدت من المواعيد والشدائد التي عاينتها (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ) أي: كشفنا عنك الشبه التي تمنع وقوع العلم به والتجلي له (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي: ثاقب نيِّر، يبصر الحق؛ كقوله - تعالى -: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا).
وقيل: حديد من الحدة؛ أي: نافذ لا يخفى عليه شيء، فكأنه أراد - واللَّه أعلم -: إنك كنت في الدنيا جاهلا عن هذا اليوم، وعن هذه الحال، والآن قد عاينت ما كنت عنه في غفلة وأيقنت به، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أي: يقول الملك الذي كان عليه رقيبا: إن كل ما عمل فهو عندي حاضر من تكذيب وعمل السوء، فيشبه أن تكون شهادة الحفظة عليه هذا القول.
ويحتمل أن يكون ذلك على السؤال للملائكة عما كتبوا وحفظوا، يقول كل ملك: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) أي: هذا الذي عمل هذا عندي حاضر محفوظ؛ إذ الكتاب الذي كثبت فيه أعماله حاضر.
ثم جائز أن الذي يكتب الأعمال ملك واحد على هذا؛ حيث قال: (وَقَالَ قَرِينُهُ) ولم يقل: قريناه، وإن كان قال: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ)، على ما ذكرنا أنهما ملكان، لكن يجوز أن يتولى الكتابة واحد، والآخر شاهد.
وجائز أن يكونا يكتبان جميعًا بقوله: (كِرَامًا كَاتِبِينَ)، لكنه ذكر - هاهنا - بحرف التوحيد فقال: (وَقَالَ قَرِينُهُ لما يقول كل واحد منهما ذلك على حدة، وهو كما ذكرنا، وفي قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، أي: كل واحد منهما