يحتمل أن يقوله - واللَّه أعلم -: كما أنكم لا تشكون فيما تنطقون؛ فعلى ذلك لا تشكون في أمر الساعة وقيامها وكونها؛ كما يقال: هذا ظاهر بين كالنهار.
وقال الزجاج: (إِنَّهُ لَحَقٌّ)، أي: لحق مثل حضوركم ونطقكم ومثل النهار، أو كلام نحوه.
ويحتمل أن يقول: إن من قدر على إنطاق هذه الألسن وتكليمها حتى يفهم منها حاجتهم، وهي قطعة، وليس فيها شيء من آثار النطق والكلام؛ إذ يكون مثله للبهائم ثم لا يفهم منه ذلك، ولا يكون منه النطق - قدر على البعث والإعادة؛ إذ هذا في الأعجوبة أكثر وأعظم من ذاك، واللَّه الموفق.
* * *
قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٣٧).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ).
قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع: أن حرف الاستفهام من اللَّه تعالى على الإيجاب والإلزام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ أَتَاكَ)، يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: قد آتاك حديث ضيف إبراهيم، فحاج به أُولَئِكَ، وخاصمهم.
والثاني: لم يأتك بعد، ولكن سيأتيك حديث ضيف إبراهيم، فإذا أتاك به فحاج على أُولَئِكَ الكفرة به، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) دل على أن اسم الضيف يقع على من يطعم ويتناول، وعلى من لا يطعم ولا يتناول؛ لأنه سمى الملائكة: ضيف إبراهيم، وإن لم يطعموا، ولم يكن غذاؤهم الطعام.
وفيه أن الضيف اسم يقع على العدد والجماعة.
وقوله: (الْمُكْرَمِينَ) سماهم: مكرمين؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - كان يخدمهم