وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨).
أي: بسطناها ومهدناها (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) لكم الأرض؛ حيث مهدها لكم مبسوطة مفترشة تجدونها كذلك ما كانوا وأينما كانوا، من غير تكلف، ويستعملونها كيف شاءوا في أي منفعة شاءوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ... (٤٩).
قَالَ بَعْضُهُمْ: صنفين من الحيوان؛ فإنه خلقهم ذكرًا وأنثي.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (زَوْجَيْنِ)، أي: لونين، نحو أبيض وأسود، وأحمر وأصفر.
والأول قول الزجاج، والثاني قول الْقُتَبِيّ.
وأصله: أنه يخرج على وجهين:
أحدهما: (زَوْجَيْنِ)، أي: شكلين، فيعلمون ببعضه بعضًا، أو ضدين فيناقض بعضه بعضا، واللَّه - سبحانه وتعالى - ليس بذي شكل، ولا ذي ضد؛ فيدل ما أنشأ من الأضداد والأشكال على وحدانيته وألوهيته.
والثاني: خلق الأشياء مختلفين متضادين؛ ليدل على إيجاب المحن عليهم من نحو عسر ويسر، وغناء وحاجة، وخير وشر؛ ليمتحنهم على اختلاف الأحوال وتضادها؛ فيرغبهم في كل مرغوب، ويحذرهم عن كل مرهوب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أي: تذكرون آيات وحدانيته وألوهيته.
أو تذكرون -باختلاف الامتحان- البعث، والثواب، والعقاب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) يحتمل وجوها:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ففروا إلى توحيد اللَّه من الشرك به؛ دليله قوله على إثره: (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وهو قول أبي بكر الأصم.
ويحتمل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) أي: ففروا إلى ما دعاكم اللَّه تعالى إليه عما نهاكم عنه؛ كقوله سبحانه: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ)، أي: ففروا إلى الأعمال الصالحة من الأعمال القبيحة.
ويحتمل: ففروا إلى ما وعد لكم من الثواب عما أوعد لكم من العقاب؛ أي: فروا إلى ثواب اللَّه عن نقمته وعقابه.