وكذلك ذكر عن الأصم قال: ذكر الذنوب، وهو الدلو العظيم الذي كانوا يقتسمون به المياه، وكان من عادة العرب: أنهم يجمعون فيرسلون دلاءهم في البئر، فكان كل واحد منهم يأخذ حظه ونصيبه من الماء، فيقول لأهل مكة: لا تستعجلوا؛ فإن لكم نصيبا من ذلك العذاب كما كان لأُولَئِكَ؛ كالدلاء التي تكون في البئر، فيأخذ كل واحد منهم نصيبه.
وكذلك قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ -: الذنوب - الحظ والنصيب.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سمي ذلك العذاب: ذَنوبا؛ لما يتبع بعضهم بعضا، واللَّه أعلم. فيقول: يتبع العذاب لهَؤُلَاءِ كما يتبع لأُولَئِكَ؛ كالدلاء يتبع بعضها بعضا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ) أي: قد يبلغون وقته فلا يستعجلون العذاب، وهو الوقت الذي يسألون الرجوع كما أخبر - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبِّ ارْجِعُونِ).
وقوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠) يوم القيامة، ولكن لم يبين ذلك اليوم ما هو؟ فيحتمل ما قالوا، ويحتمل غيره، والويل قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.
فَإِنْ قِيلَ: كيف خوف اللَّه تعالى هذه الأمة بما أنزل على الأمم الخالية من الاستئصال والإهلاك، وقد عافى هذه الأمة عن هذا وأمَّنهم منه؟
قيل: إنما خوفهم بما ذكر؛ لأن المعنى الذي استوجب أُولَئِكَ الاستئصال والإهلاك به يحتمل أن يتحقق ذلك في هَؤُلَاءِ.
وقد يحتمل ألا يكون، فالتخويف صحيح لهَؤُلَاءِ بهم، وإنما يكون مثل هذا التخويف في أول الأمر، ثم إن اللَّه بفضله ورحمته عفا عنهم بفضل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ورحمته؛ كقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
ويحتمل أن يكون العفو لهم عن ذلك بالتأخير عنهم إلى وقت، وهو وقت قبض أرواحهم وخروجهم من الدنيا، وفي ذلك الوقت يعاقبون بأنواع العذاب، وينزل بهم ما نزل بأُولَئِكَ، لا أنهم عفوا عن ذلك أصلا.
ويحتمل أن يكون ينزل بهم ذلك في الآخرة، وذلك كله فضل منه ورحمة، واللَّه أعلم بالصواب.
* * *