لأنه إيمان دفع العذاب عن أنفسهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ... (٤٦).
برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عما ينزل بهم يومئذ؛ جزاء على كيدهم برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
ويحتمل ألا يغنيهم من عذاب اللَّه تعالى الأصنام التي عبدوها؛ رجاء أن تشفع لهم، أو تقربهم إلى اللَّه زلفى؛ كما أخبر - عَزَّ وَجَلَّ -، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧).
قال أهل التأويل: أي: لمشركي أهل مكة عذاب دون عذاب النار، وهو القتل بالسيف يوم بدر.
ويحتمل أن يكون قوله: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا)، أي: للكفرة عذاب في الدنيا دون الذي ذكر في يوم القيامة؛ حيث قال: (حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ)، ثم قال: (عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ)، وهم ما داموا كفارا فهم في عذاب، يكونون في خوف وذل وخزي؛ فذلك كله عذاب اللَّه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
أي: لا ينتفعون بعلمهم، أو لا يعلمون حقيقة؛ لما لم ينظروا في أسباب العلم، ولم يتفكروا فيها؛ حتى يمنعهم ويزجرهم عن صنيعهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨).
دل هذا الحرف أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد كلف أمرا شديدًا شاقًّا عليه حتى قال: (وَاصْبِرْ)؛ إذ الأمر بالصبر لا يكون إلا في أمور شاقة شديدة؛ ولذلك قال له: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، أمره بالصبر على ما كلفه، كما صبر إخوانه على ما لحقهم من الأمور الشاقة، وما قال (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، أخبر أنه لو صبر إنما يصبر بتوفيق اللَّه إياه، أو فيه: أنه إذا صبر يكون صبره لله تعالى؛ حتى يسهل عليه احتمال ذلك، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِحُكْمِ رَبِّكَ)، يحتمل وجوها:
أحدها: ما أمر من تبليغ الرسالة إلى الفراعنة الذين كانت همتهم القتل لمن خالفهم، فذلك أمر شديد؛ فأمره بالصبر على ذلك، والتبليغ إلى أُولَئِكَ.
والثاني: أمره بالصبر على أذاهم واستهزائهم به، وترك المكافأة لهم.
ويحتمل أن يكون الأمر بالصبر على الأمور التي كانت عليه في خالص نهيه من احتمال غصة التكذيب، وحزنه على تركهم التوحيد والإيمان، وإنما ذلك كله حكم اللَّه تعالى.