تغنيهم.
ثم النذر تحتمل وجهين:
أحدهما: النذر: الرسل - عليهم السلام - جمع: نذير.
والثاني: ما تقع به النذارة، وهو الأنباء التي أنذر الرسل بها وحذروا بذلك؛ يقول: فما يغنيهم قول الرسول، ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب للكفرة بتكذيب الرسل - عليهم السلام - وترك اتباعهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ... (٦) يحتمل وجوها:
أحدها: قوله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: أعرض عنهم، ولا تكافئهم بإساءتهم.
والثاني: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تقاتلهم، ولا تجاهدهم؛ فإن كان التأويل هذا، فهو يحتمل النسخ على ما قاله أهل التأويل، وإن كان الأول فهو لا يحتمل النسخ.
والثالث: يحتمل: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تشتغل بهم؛ فإنهم لا يؤمنون، وذلك في قوم علم اللَّه - تعالى - أنهم لا يؤمنون، يؤيس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الطمع في إيمانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي: إلى شيء منكر، فظيع، هائل.
ويحتمل: إلى شيء أنكروه في الدنيا -وهو الساعة- فيقرون في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ... (٧) وقرئ: (خاشعًا)، بالألف، روي عن أبن عباس، وتصديقها في قراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خاشعة أبصارهم)، وصفهم بالخضوع في الآخرة مكان استكبارهم في الدنيا، وبالإقرار والتصديق بالساعة مكان إنكارهم في الدنيا، وبالإجابة للداعي مكان ردهم له في الدنيا حيث قال: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: تشبيههم بالجراد لحيرتهم، لا يدرون من أين يأتون؟ وإلى أين يصيرون؟ كالجراد الذي لا يُدْرَى من أين؟ وإلى أين؟ وهو كقوله - تعالى -: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى).
والثاني: تشبيههم بالجراد؛ لكثرتهم، وازدحامهم؛ لما يحشر الكل بدفعة واحدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) قال عامة أهل التأويل: (مُهْطِعِينَ)،