أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) لم يزل الأكابر من الكفرة والرؤساء منهم يلبسون على أتباعهم بهذا الحرف: (أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ)، وقالوا: (مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ)، وقوله - تعالى -: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ)، ونحو ذلك، وذلك تناقض في القول؛ لأنهم كانوا ينهون أتباعهم عن اتباع بشر مثلهم ويدعونهم إلى اتباع آبائهم والاقتداء بهم، وهم أيضا بشر، وليس مع آبائهم حجج وبراهين، ومع الرسل حجج وآيات، فيكون تناقضا في القول ومعارضة فاسدة، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: السعر: الجنون؛ أي: لو اتبعنا بشرا منا، لكنا في ضلال وجنون، وهو مأخوذ من سعر النار؛ إذا التهبت، يقال: ناقة مسعورة، أي: كأنها مجنونة؛ من النشاط.
وقيل: الضلال والسعر واحد.
ويحتمل: أي: إنا إذا لفي ضلال في الدنيا، وسعر في الآخرة، والسعر: من السعير، وهو النار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا ... (٢٥) فجائز أن يكون هذا القول من أهل مكة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله - تعالى - خبرا عنهم: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)، والذكر هو القرآن، على هذا التأويل.
وجائز أن يكون ذلك من ثمود وصالح - عليه السلام - والقصة قصة صالح؛ فهو الأشبه بالتأويل، ولم يزل الكفرة ينكرون تفضل الرسل - عليهم السلام - على غيرهم من البشر بالرسالة، وإنزال الذكر عليهم من بينهم، ثم يرون لأنفسهم الفضل على أُولَئِكَ الرسل: إما بفضل مال، أو بفضل نسب، أو رياسة، ونفاذ قول، بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع، وما ينبغي لهم أن ينكروا تفضيل الرسل بالرسالة والنبوة بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع؛ إذ هي فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) عن مجاهد: أنه قرأ بفتح الشين، وقرأ العامة (أَشِرٌ) بكسر الشين.