الأصداف؛ فكان من ذلك اللؤلؤ.
وقيل: إنما قال تعالى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) وإنما يخرج اللؤلؤ من المالح دون العذب؛ لأن العذب والمالح يلتقيان؛ فيكون العذب لقاحا للمالح؛ كما يقال: يخرج الولد من الذكر والأنثى، وإنما تلده الأنثى، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) عن إبراهيم - رحمه الله تعالى -: أنه قرأ: (الْمُنْشِئَاتُ) بكسر الشين، وفسر بعض الناس المنشآت، أي: ظاهرات السير.
وعن الحسن أنه قرأها بفتح الشين، قال أبو عبيدة: وبها يقرأ؛ لأن تفسيرها: أنها التي قد رفع قلعها في البحر، فهي الآن مقلوع بها؛ فقيل: المنشآت، وهي المرتفعات، والتي لم يرتفع قلعها، فليست بمنشأة.
وقيل: المخلوقات، والجواري: هي السفن المنشآت.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَالْأَعْلَامِ) أي: هي في البحار كالجبال في البراري.
قيل: وهي الأعلام أنفسها.
ثم في هذه الآيات التي ذكرت وجوهٌ من الحكمة وإثبات القدرة لله تعالى وسبحانه:
أحدها: أن من قدر على تسخير البحار وإنشاء ما فيها، وعلم إخراج ما فيها للآدمي، واتخاذ السفن وإجراءها في البحار؛ للوصول إلى المنافع التي في البلدان النائية - لقادر على البعث وغيره.
والثاني: أن لا سبيل إلى معرفة ما في البحار من الأموال، واتخاذ السفن وإجرائها في البحار، ومعرفة ما وراء البحار من البلدان النائية وما فيها إلا بخبر الرسل، فيقول - والله أعلم -: ما بالكم صدقتم الرسل الأوائل فيما يرجع إلى منافعكم الدنيوية، ولم تصدقوهم فيما يرجع إلى الدِّين والآخرة من الوعد والوعيد.
أو يقول: ما بالكم لا تنكرون شيئا من هذه النعم -التي جعلها لكم- أنها من الله تعالى، فكيف تنكرون ما أتاكم به الرسل، عليهم السلام؟!
ثم في قوله: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ) دلالة نقض قول المعتزلة في إنكارهم خلق أفعال العباد؛ فإنه أضاف السفن إلى نفسه بقوله: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ)، وقد اتخذها بنو آدم بأفعالهم، فلو لم يكن له في أفعالهم صنعٌ، لكانت السفن لهم لا له، واللَّه أعلم.