الماضية، (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي: من هذه الأمة، وهكذا يكون عدد أهل الإيمان من هذه الأمة مع الأمم الماضية يكون هَؤُلَاءِ أقل منهم.
ويحتمل - أيضا - أن السابقين المقربين من الأمم السابقة أكثر من السابقين المقربين من هذه الأمة؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كلهم من الأمم السالفة.
وقال أهل التأويل لما نزلت: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)، وجد أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وجدا شديدا، وقالوا: لن يدخل الجنة منا إلا قليل؛ فنزل قوله تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
لكن هذا لا يحتمل؛ لأنه خبر، ولا يرد في الأخبار نسخ، وما قالوه لا يصح، والوجه فيه ما ذكرنا.
ويحتمل قوله تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)، هم أصحاب اليمين من الأولين والآخرين، وهم جماعة كثيرة من الأولين، وجماعة كثيرة من الآخرين في المقربين خاصة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) وقال في آية أخرى: (عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ)، والسرر قد تكون في الدنيا مصفوفة، ولكن لا تكون موضونة؛ أي: منسوجة؛ والوضن -هو النسج- لا يكون بين السرر في الآخرة انفصال ولا فروج، كما يكون في الدنيا، لكن موصولة بعضها ببعض.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا ... (١٦) أي: على السرر التي ذكر أنها مصفوفة موضونة.
وقوله: (مُتَقَابِلِينَ)، أي: يقابل بعضهم بعضا، ولا يرضون، ولا ينظر بعضهم إلى بعض باحتقار كما يجعل أهل المجالس في الدنيا يعرض بعضهم عن بعض ويحقر بعضهم بعضا يخبر أنهم يكونون في الآخرة خلاف ما في الدنيا، لا يتأذى بعض من بعض بوجه ما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) فيه أنهم يعطون في الجنة ما يستحبون في الدنيا من الشرف وطواف الولدان، وكذلك ما ذكر من السرر والفرش، وغير ذلك من أنواع ما ترغب أنفسهم فيه.
ثم ذكر أنهم ولدان، وإن لم يكن في الجنة ولاد؛ فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يكونوا على هيئة الولدان وإن لم يولدوا.