الظالمون علوًّا كبيرًا.
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥)
وقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ).
يقول: لا أَحد أَظلم لنفسه، ولا أوضع لها.
وقوله: (مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).
اختلف فيه:
قيل: مساجد اللَّه: الأَرض كلها؛ لأَن الأَرض كلها مساجد اللَّه؛ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " جُعِلَت لي الأَرض مسجدًا وطَهورًا " منع أَهلُ الكفر أَهلَ الإسلام أَن يذكروا فيها اسم اللَّه، وأَن يُظهروا فيها دينه.
وقوله: (وَسَعَى فِي خَرَابِهَا).
وهو كقوله: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا).
ويخرج قوله: (أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ).
أي: لا يدخلون البلدان والأَمصار إلا بالخوف، أَو بالعهد؛ كقوله: (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)، وهو العهد.
ويحتمل قوله: (مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ): ما كان ينبغي لهم -بما عليهم من حق اللَّه، وتعظيمه- أَن يدخلوا المساجد إلا خائفين وجلين؛ لما كانت هي بقاع اتخذت لعبادة اللَّه، ونسبت إليه تعظيمًا لها؛ فدخلوا مخرِّبين لها، مانعين أَهلها من عبادة اللَّه فيها.
وقيل: مساجد اللَّه: المسجد الحرام.
وذلك أَنهم حالوا بينها وبين دخول مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأَصحابه فيها، حتى رجعوا من عامهم ذلك. ثم فتح اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - مكة لهم، فصار لا يدخلها مشرك إلا خائفًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: