طلب الدنيا للدنيا مذمومان، والذي طلبها لنفسه زادا للآخرة والذي زهد فيها محمودان، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك يخرج " إن حب الدنيا رأس كل خطيئة ": أن من أحبها لغيره ولغير الذي جعلت له تكون رأس كل خطيئة، ومن أحبها لنفسه، واتخذها زادا للآخرة، فهي رأس كل حسنة وطاعة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) يقول: اجعلوا المسابقة فيما بينكم في مغفرة ربكم إلى الجنة، لا إلى جمع الأموال والأولاد، وكان أهل الكفر جعلوا المسابقة في الدنيا في جمع الأموال والتفاخر والتكاثر بها، فيقول لأهل الإيمان: اجعلوا أنتم المسابقة في طلب مغفرة اللَّه وجنته، واللَّه أعلم.
ويحتمل تسبقون آجالكم بأعمالكم التي توجب لكم المغفرة واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. . .) الآية، ذكر سعة الجنة؛ لأن العرض إنما يذكر لسعة تكون للشيء، وقد ذكر سعتها فيها؛ حيث قال: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ)، وقال - تعالى -: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)، ونحو ذلك؛ ذكر ما فيها من السعة وسعتها، واللَّه أعلم.
ثم ذكر عرضها كعرض السماء والأرض، وهو يخرج على التحديد والتقدير: أن عرضها مثل عرض السماوات والأرض، لكن لما لا شيء أوسع في أوهام الخلق مما ذكر، وهو كقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)، ذكر دوامهما؛ لما لا شيء أبقى وأدوم منهما في الأذهان، وإلا كانتا تفنيان.
ويحتمل أن يقول: (عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، أي: تصير السماوات والأرض جميعا جنة لهم.
ثم وصف الجنة بالسعة، ووصف النار بالضيق، حيث قال: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا)، وذلك أنه ليس في فضل النار على قدر المجعول الذي يصل إلى المعذب بها فائدة فلذلك تضيقت، ولفضل الجنة على قدر الحاجة لذة وسرور ومنفعة؛ فوسعت لذلك، واللَّه أعلم.
ثم أخبر أنها أعدت للذين آمنوا باللَّه ورسوله، والإيمان باللَّه - تعالى -: هو أن يصدق