يكون إلا من جوهره، وإلى هذا يذهب الحسن.
والثاني: أَن الخلة تقع لأَفعال تكتسب، وتسبق منه، فيعلو أَمره، وترتفع مرتبته؛ فيستوجب بذلك الخلة بمعنى الجزاء، وأَما الولد فإنه لا يقع عن أفعال تكتسب، بل بدو ما به استحقاقه يكون من مولده. وقد نفى عن نفسه ما به يكون بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ).
والثالث: ما قاله الراوندي: أَنه لا بد من أَن يدعى إلى التسمي، أَو إلى التحقيق؛ إذ في الخلة تحقيق ما به يسمى.
ثم لم يحتمل في هذا تحقيق ما به يسمى، والاسم لم يرد به الإذن، وباللَّه التوفيق.
ويحتمل قوله: (بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وجهًا آخر، وهو أَن يقال: إن ما في السماوات وما في الأَرض، كلهم عبيده وإماؤه، فأَنتم مع شدة حاجتكم إلى الأَولاد لا تستحسنون أَن تتخذوا عبيدكم وإِماءكم أولادًا، فكيف تستحسنون ذلك لله - عَزَّ وَجَلَّ - وتنسبون إليه مع غناه عنه؟ وباللَّه التوفيق.
وقوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ).
قيل فيه بوجوه:
قيل: إن كل من في السماوات والأرض من الملائكة، وعيسى، وعُزير، وغيرهم -من الذين قلتم: إنه اتخذهم ولدًا- قانتون له، مُقِرون بالربوبية له، والعبودية لأَنفسهم له.
وقيل: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ): مطيعون؛ أي: كلهم مطيعون متواضعون.
وقيل: القانت: هو القائم، لكن القائم على وجهين: يكون القائم المنتصب على الأَقدام، ويكون القائم بالأَمر والحفظ.
ثم لا يحتمل أَن يراد بالقانت هاهنا: المنتصب بالقدم؛ فرجع إلى الطاعة له وحفظ ما عليه، وهو كقوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، من الحفظ والرزق.
ويحتمل: تنزيه الخلقة؛ لأَن خلقة كل أحد تنزه ربه عن جميع ما يقولون فيه.
أَو أَن يقال: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) في الجملة؛ كقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ).