المنافقون؛ فنزلت هذه الآية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢).
يشبه أن يكون ما ذكر من مناجاة الرسول - عليه السلام - على وجوه، والناس في مناجاته طبقات:
أحدهم: يناجيه مسترشدًا في أمر الدِّين، وما ينزل به من النوازل.
والآخر: يناجيه افتخارًا به على غيره من الناس ومباهاة منه؛ ليعلم أن له خصوصية عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وفضلا له عنده، وهو صنيع المنافقين.
والفريق الثالث: يناجونه؛ ليسمعوا الناس الكذب ويسمعوهم غير الذي سمعوا، كقوله - تعالى -: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ)، وهم اليهود وصنيعهم ما ذكر؛ فجائز أن يخرج المناجاة مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على الوجوه التي ذكرنا.
ثم ما ذكر من تقديم الصدقة على المناجاة يخرج على وجوه:
أحدها: أمر بتقديم الصدقة؛ لعظم قدر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والخصوصية له، يطهر بتلك الصدقة ويصير أهلا لمناجاة بها، وهو كالطهارة التي جعلها سببًا للوصول إلى مناجاة الرب، سبحانه وتعالى.
والثاني: لما خصهم بمناجاة الرسول، وجعلهم أهلا لها، أمرهم بتقديم الصدقة؛ شكرًا له منهم بذلك.
والثالث: جائز أن يكون أمرهم بتقديم الصدقة؛ امتحانًا منه إياهم؛ ليظهر حقيقة أمرهم، وهو ما جعل الأمر بالجهاد سببًا لظهور نفاقهم وارتيابهم في الأمر؛ فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون الأمر بالصدقة لأهل المناجاة على الذين كانت لهم حوائج عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيمنعونه عن قضاء حاجاتهم بالاشتغال بالمناجاة، أمرهم بالصلة لأُولَئِكَ؛ تطييبًا لقلوبهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ).
أي: أن تقديم الصدقة أطهر لقلوبكم من ترك الصدقة.
وقوله: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
جائز أن يكون هذا الأمر لأهل الغناء دون الفقر، حتى قال: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ما تصدقون به، (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).