سُورَةُ الصَّفِّ وهي مدنية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ).
قال هاهنا: (سَبَّحَ)، وقال في موضع آخر: (يُسَبِّحُ)، ليعلم أنه تسبيح غير منقطع، وأنه يسبح من حين كان، ويسبح إلى أن يكون.
وفيه تسفيه أُولَئِكَ الكفرة المتمردة؛ وذلك أن التسبيح والثناء في الشاهد إنما يرجعان إلى المسبح والمثني؛ لأنه لا يثني إلا على من يستحق الثناء، ولا يسبح إلا من يستحقه، فإنما تسبيح المسبح وثناؤه خضوع له وتقرب إليه، وذلك يزيده شرفا ونبلا، فكأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أخبر أنه قد خضع لله تعالى، واستسلم له، وأتى بما فيه شرف له وزين وتقرب إلى ربه - كلُّ شيء إلا الكفرة؛ فإنهم تركوا التسبيح لله تعالى مع ما فيه من نبلهم وشرفهم وزينهم، واللَّه الموفق.
ويجوز أن يكون ذكر سفههم أيضًا من وجه آخر، وهو أنه لو كان لله تعالى بتسبيح شيء من الخلائق حاجة، لكان في تسبيح من ذكر كفاية وغناء عن تسبيح الكفرة، ولكنهم تركوا التسبيح، واللَّه تعالى غني عنهم وعن تسبيحهم؛ فما تركوه إلا لسفههم، والله أعلم.
وقوله: (وَهُوَ الْعَزِيزُ).
يدل على أنه عزيز في ذاته، وأن ترك التسبيح من الكفرة إياه لا يذله، بل هو عزيز منيع.
وقوله: (الْحَكِيمُ):
يعني: حكيم؛ حيث جعل في الأشياء المتضادة علم ألوهيته، وآية وحدانيته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢).
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذه الآية في أهل النفاق في القتال؛ لأنهم تمنوا القتال، فلما أمرهم اللَّه تعالى به قالوا: (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ)، فأنزل اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ