بلطفه جعل المنقضي كالدائم؛ فيخرج هذا الفعل مخرج الزيادة والثبات، واللَّه أعلم.
وإن كان على التجدد في الأوقات الحادثة، فذلك مستقيم؛ وذلك لأن المرء منهي عن الكفر في كل وقت يأتي عليه إذا أتى بالإيمان في ذلك الوقت انتهى عن الكفر؛ فصار لإيمانه حكم التجدد، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون المراد بقوله: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (١١) الاعتقاد، وإذا كان المراد منه ذلك، وأتى بما أمر من الاعتقاد بهذه الأمور، ولكنه لم يف بالفعل، فهو في رجاء من النجاة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).
يعني: ذلك الذي أمركم به من الإيمان باللَّه تعالى ورسوله والجهاد في سبيله خير لكم من أن تتبعوا أهواءكم.
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
عيانا بعلمكم أن ذلك خير لكم.
وقوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢).
يعني: يغفر اللَّه لكم بتلك النجاة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً).
يجوز أن يكون رغبهم في هذه الآية بما أمرهم بتركها؛ وذلك أنه أمرهم بمفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد بأنفسهم، ثم أخبر أنهم إذا فعلوا ذلك آتاهم مكان كل ما فات عنهم خيرًا منها: مكان ما فارقوا من المساكن يؤتيهم مساكن طيبة، ومكان ما أنفقوا من أموالهم يؤتيهم النعيم الدائم، ومكان ما أفنوا من حياتهم وأنفسهم يؤتيهم حياة دائمة باقية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
يعني: ذلك الثواب الدائم هو الفوز العظيم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣).
فكأنه يقول يعطيكم اللَّه بتلك التجارة التي دلكم عليها ما ذكر من الثواب في الآجل، وأخرى تحبونها نصر من اللَّه على أعدائكم في الدنيا، وفتح البلاد.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، بهما، وقد فعل اللَّه تعالى ذلك بهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤) هذا كلام يورث شبهة في القلب أن كيف قال (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) واللَّه تعالى لا يخاف أحدًا حتى يستنصر عليه غيره؟
ولكن السبيل في كشف هذه الغمة عن القلوب هو أن المعنى في هذا وفي قوله: