أحدهما: أنهم رأوا ذلك حقًّا لهم على اللَّه تعالى.
أو يروا أن اللَّه تعالى آتاهم ذلك؛ تفضيلا لهم على غيرهم، فكانوا يتكبرون ويستعظمون على غيرهم، ويستخفون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لذلك الوجه، ولم يتأملوا ولم يتفكروا فيتبين لهم أن اللَّه تعالى آتاهم جميع تلك النعم محنة عليهم، تعبدهم بأداء شكرها وتعظيم حقها، وذلك معنى (لَا يَفْقَهُونَ) أي: لا يستعملون النظر في هذه النعم، وذلك أنه لو لم يكن رسول اللَّه، كان يلزمهم أن يتأملوا فيما أوتوا من النعم وينظروا، فإذا تفكروا في ذلك، ولم يجدوا لهم عند اللَّه صنعا استوجبوا به عنده مكافأة لذلك، ولا لهم فضل يفضلهم اللَّه به على غيرهم؛ فكان يتبين لهم أن اللَّه تعالى إنما أعطاهم هذه النعم محنة؛ ليتعبدهم بأداء شكرها؛ ولذلك وقع الفصل فيما بين العلم والفقه: أن ما كان حقه التأمل والنظر، فحق اللفظ فيه أن يقال: يفقهون، ولا يفقهون، وما كان حق العلم به السماع والخبر، أطلق فيه لفظ (العلم)؛ ولذلك قال عند العزة والغلبة والنصر: (لَا يَعْلَمُونَ)؛ لأنهم لم يكونوا يعلمون النصر والغلبة لو لم يكن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله: (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)، له وجهان:
أحدهما: رأيتهم يصدون عن طاعتك واتباعك.
والثاني: يصدون ضعفتهم عن اتباعك.
وقوله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) لأنهم لم يعدوا ذلك زلة وذنبا؛ لأنه كان عندهم أنهم على الحق.
والثاني: ما قلنا: إنهم كانوا لا يؤمنون بالآخرة، والمغفرة إنما تطلب من اللَّه، ويتحقق ذلك في الآخرة.
وقوله: (لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم).
على ذلك أيضًا أنه لا يغفر أَستغفرت أم لم تستغفر.
قال - رحمه اللَّه -: ورسول اللَّه - عليه السلام - كان لا يستغفر للمنافقين بعدما ظهر عنده نفاقهم، ولكنه يجوز أن يكون هذا قبل ظهور نفاقهم، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم) يحتمل وجهين: أحدهما: يقول: لن يغفر اللَّه لهم ما داموا على النفاق، ولم يتوبوا عنه.
والثاني: أن يقول: لن يغفر لهم في قوم علم اللَّه منهم: أنهم لا يؤمنون أبدًا، فقال في أُولَئِكَ: لن يغفر اللَّه لهم؛ وكذلك هذا في قوله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).