على البلوغ؛ لأنه لا نهاية لأكثر الطهر، وأما الحيض فإنه له غاية معلومة؛ لأن أيامها لا تخلو إما أن تكون عشرا أو دون العشر، فإن كان عشرا فيعرف بالعد، وإن كان دون العشر فإن دمها إذا انقطع راجعها قبل أن تغتسل، وذلك وقت إشراف أجلها على البلوغ، والأطهار ليس يتحقق فيها المعنى الذي وصفنا، واللَّه أعلم.
ثم قال هاهنا: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)؛ فدل الأمر بالإمساك في الظاهر أنها ما دامت في العدة، فهي على ملكه، وقال في موضع آخر: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ)؛ فدل على أنه قد وقع شيء من الزوال حتى أمره بردها؛ فيكون حجة للشافعي في أن الطلاق الرجعي يحرم الوطء، ولكن المعنى عندنا في هذا - والله أعلم -: أنا قد عرفنا بقوله: (أَوْ فَارِقُوهُنَّ) بعد وجود الطلاق المتقدم: أنه لم يرد به الفرقة للحال، ولكن معناه: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، فتفارقوهن؛ فثبت أنه قد وقع شيء من شبهة الفراق بالطلاق، وهو أن صار الفراق مستحقًّا لازما حال انقضاء العدة؛ فيكون له عَرَض الوجود للحال، فقال: (فَأَمْسِكُوهُنَّ) على إبقائهن على أصل الملك، وقال: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)، في ذلك؛ لرفع تلك الشبهة الواقعة بالطلاق؛ وهذا على سبيل ما قال تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وكان الفيء هو الرجوع، ومعلوم أنه لم يقع بالإيلاء شيء من الفرقة، ولكن لما كان الإيلاء موجبا للبينونة في العقد، أوجب في الحال شبهة الفرقة، وهو استحقاق الزوال، فذكر الفيء؛ لرفع تلك الشبهة؛ وكان تركها منه لا يفيء إليها عزم منه على الطلاق، فكذلك الأول واللَّه أعلم.
والمعروف إذا صنع إليك إنسان صنيعة، فعرفتها واستحسنتها، فهو معروف، وما دفعته وأنكرته، فليس بمعروف.
أو هو الذي عَرَّفَنا اللهُ - تعالى - من المراجعة والمفارقة.
ثم المعروف في الحقيقة ما تطمئن إليه القلوب وتسكن عنده الأنفس.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
دل قوله - تعالى -: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أن قد يكون منا فساق، وأن الفسق لا يخرجه من الإيمان، وكذلك قوله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)، فثبت أن قد يكون منا من لا يرضى، وأن خروجه ممن يرضى لا يخرجه من الإيمان.