تعالى، واللَّه أعلم.
ثم اختلفوا في أن عدة:
فمنهم من قال: هي استبراء الرحم.
ومنهم من قال: هي عبادة تتبع النكاح الذي استوفي فيه المقصود بالنكاح، وهذا القول عندنا أصوب؛ لأوجه:
أحدها: أن الاستبراء واجب في حق السنة والأدب قبل الطلاق؛ فإن من أراد أن يطلق امرأته فالواجب عليه أن يستبرئها بحيضة ثم يطلقها، وأما العدة فإنها لا تجب إلا بعد الطلاق، فثبت أنها على ما ذكرنا من العبادة التي تتبع النكاح الذي المتوفي فيه المقصود، واللَّه أعلم.
ومعنى آخر: وهو أن العدة لو كانت استبراء، لكانت تكتفى بالحيضة الواحدة، فلما قرنت بالعدد، وفي الواحدة مندوحة عما سواها في حق الاستبراء، ثبت أنها على الوجه الأول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (٤).
هذا يدل على أن المراد من الأقراء الحيض؛ وذلك لأن الأصل عندنا في الأصول أن الشيء متى ذكر باسم مشترك، ثم جرى البيان له عند ذكر البدل باسم خاص؛ دل على أن المراد من الاسم المشترك هذا الاسم الخاص المذكور عند البدل؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وكان اسم الغسل مشتركا يتناول الماء وكل مانع، فلما قال عند ذكر البدل: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)، تبين أن المراد من ذلك الاسم المشترك هو هذا الاسم الخاص المذكور عند البدل، فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ).
اختلفوا في قوله: (إِنِ ارْتَبْتُمْ): أنه أريد به: إن ارتبتم في حيضهن أو في عدتهن؟
وعندنا الارتياب في عدتهن؛ لأنه لو كان المراد منه الارتياب في حيضهن، لكان من حق الكلام أن يقول: " إن ارتبتن " أو يقول: " واللائي ارتبن " ليكون منسوقا على قوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) فلما قال: (ارْتَبْتُمْ) وثبت أن المراد: إن ارتبتم في عدة الآيسات والصغائر، فهي ثلاثة أشهر، واللَّه أعلم.
أو لأن المرتابة إذا رأت الحيض ارتفع ريبها، وصار عدتها بالحيض، وخرجت من ْالعدة بالشهور، وأما الآيسة والصغيرة؛ فإنه لا يتوهم عليهما ارتفاع الإياس والصغر؛