بالعتو، ومعلوم أنها لا تعتو، ولكن المراد منه، أي: عتا أهلها عن أمر ربهم، وقد يجوز أن يكنى بالمكان عن الأهل، كما قال في آية أخرى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا)، يعني: واسأل أهل القرية وفي هذا دلالة أن ما خرج مخرج الكناية في الحقيقة، لم يكن كذبا، وإن كان في ظاهره يرى أنه كذب؛ ألا ترى إلى قوله: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)، ومعلوم أنه لم يكن هناك نعجة، ولكن كناية عن النساء، فخرج على الصدق في الحقيقة؛ كأنه قال: إن هذا أخي، لو كان له تسع وتسعون امرأة، فكذلك الأول واللَّه أعلم.
والعتو: النهاية في الاستكبار؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا): له أوجه من التأويل:
أحدها: يقول: (فَحَاسَبْنَاهَا)، أي: بلغوا في الكفر والعتو والاستكبار مبلغا صاروا من أهل الحساب الشديد والعذاب المنكر.
أو يجعل ما ذكر اللَّه تعالى من نزول النقمة بالأمم الماضية؛ لعتوهم واستكبارهم حسابًا شديدًا لهذه الأمة؛ ليتذكروا ويتعظوا.
أو يكون معناه (فَحَاسَبْنَاهَا) أي: سنحاسب حسابًا شديدًا في الآخرة، كما كان معنى قوله - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)، بمعنى: وإذ يقول اللَّه، فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
ووجه نزول هذه الآيات: أن يكون له معنيان:
أحدهما: تخويف أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والكفرة من أهل مكة بما نزل بالأمم الخالية حين تركوا اتباع رسلهم والإيمان بهم، واستكبروا في أنفسهم، وعتوا لكي ينتهي أهل قريته - عليه السلام - عما هم فيه من الكفر والعتو، ويحذروا الوقوع فيه في حادث الأوقات.
ويحتمل أن يكون هذا تسكينا لقلب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتهوينا عليه ما يلقى من كفر قومه وعصيانهم وعتوهم، وليعلم ما لقيت الرسل المتقدمة من أممهم حتى بلغ كفرهم واستكبارهم المبلغ الذي وقع اليأس منه عن إيمانهم، حتى أنزل اللَّه تعالى بهم ما أنزل من