آمن، فقد خرج من الظلمات إلى النور.
وإذا كان هذا هكذا فحق هذا الكلام أن يقول: ليخرج الذين كفروا من الظلمات إلى النور، ولكن يحتمل أن يكون معناه: ليخرج الذين يؤمنون؛ على ما جاز أن يراد من الماضي المستقبل.
وقوله - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ).
أي: إذ يقول اللَّه: يا عيسى ابن مريم، جاز أن يراد من المستقبل الماضي، وهذا سائغ في اللغة.
ويحتمل أن يقول: ليخرج الذين آمنوا من ظلمات تحدث لهم بعد إيمانهم إلى النور، واللَّه أعلم.
وقيل قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا) يعني: الذين وحدوا اللَّه، وعظموه وبجلوه من معاني الشبه ووصفوه بالتعالي عن العيوب والآفات، وعملوا في إيمانهم صالِحًا إذا خافوه ورجوه بإيمانهم وذلك عملهم الصالح في الإيمان، وذلك معنى قوله: (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، ومعنى ذلك الكسب: ما وصفنا من التعظيم والتبجيل والرجاء والخوف في نفس الإيمان، واللَّه أعلم.
ويجوز أن يكون معنى قوله: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في أداء الفرائض التي افترض الله عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا).
أي: طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة؛ وذلك معنى قوله: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وفي هذه الآية دلالة أن من نال الإيمان، فإنما ناله بفضل اللَّه تعالى وبرحمته، لأنه لولا ذلك، لم يكن ليمن اللَّه - تعالى - عليه بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢).
اختلفوا في قوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ):
منهم من قال (مِثْلَهُنَّ) أي: طباقًا مثل السماوات بعضها طباق فوق بعض.
ومنهم من قال (مِثْلَهُنَّ) يعني: سبع جزائر، على مثل ما قال: (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)، فكذلك خلق سبع جزائر.
ومنهم من قال: خلق هذه الأرض التي نشاهدها على حد السماء ومقدارها، والست من وراء هذه السماء، واللَّه أعلم.